حسن عابدين.. “ضمير الشاشة المصرية” الذي رحل في صمت وبقي صوته شاهدًا على جيل من القيم والفن الهادف

القاهرة - محمد ابراهيم -  

تحل اليوم 5 نوفمبر 2025 الذكرى السادسة والثلاثون لرحيل الفنان الكبير حسن عابدين، الذي غادر دنيانا في مثل هذا اليوم من عام 1989، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا خالداً ومكانةً راسخة في وجدان عشاق الدراما المصرية والعربية.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على رحيله، إلا أن حضوره ما زال حيًا في ذاكرة الجمهور الذي رأى فيه نموذج الفنان الملتزم، وصوت الضمير الإنساني على الشاشة.


 

 بدايات مليئة بالشغف والإصرار

منذ طفولته، كان حسن عابدين عاشقًا للفن والكلمة الجميلة، فقد بدأ حياته بإلقاء الشعر في المدرسة، وأنشأ مع زملائه فرقة مسرحية صغيرة كان هو قائدها.
كانت تلك البدايات البسيطة هي الشرارة الأولى التي مهدت لطريق طويل من النجاح، حيث جسّد مبكرًا الشخصيات التاريخية على “مصطبة” صغيرة في منزله، في مشهد يلخص نبوغه الفني منذ الصغر.

ومع التحاقه بالقوات المسلحة، لم يبتعد عن الفن، إذ شارك في المسرح العسكري، وهناك صقل موهبته قبل أن ينتقل إلى خشبة المسرح المدني، ويبدأ مشواره الاحترافي من خلال مسرحية "نرجس" مع النجمة سهير البابلي، التي كانت بوابة شهرته وبداية انطلاقه نحو النجومية.


 

 مسيرة فنية تزينت بالصدق والإتقان

استمرت مسيرة حسن عابدين الفنية ما يقارب ثلاثين عامًا، تنقل خلالها بين المسرح والسينما والتلفزيون، مقدمًا أكثر من 120 عملاً فنيًا امتزج فيها الأداء بالواقعية والبساطة.
تميّز عابدين بأدواره التي جسّد فيها المواطن المصري المكافح، والأب الحنون، والمعلم الحكيم، فكان قريبًا من القلوب ببساطته وعمقه الإنساني.

من أبرز أفلامه: “الأشقياء” – “سترك يا رب” – “ريا وسكينة” – “الشيطان امرأة” – “درب الهوى” – “العذاب فوق شفاه تبتسم” – “عنبر الموت” – “سنة أولى حب” – “على من نطلق الرصاص” – “الأنثى والذئب”.

أما في الدراما التلفزيونية، فترك بصمات لا تُنسى في مسلسلات:“بابا في المشمش” – “أرض النفاق” – “فرصة العمر” – “نهاية العالم ليست غدًا” – “آه يا زمن” – “فيه حاجة غلط” – “أهلاً بالسكان”.

وفي المسرح، كان أحد أعمدته الكبار من خلال أعمال مثل “ع الرصيف” – “عش المجانين” – “نرجس” – “المشاكس”.

كان حسن عابدين فنانًا لا يبحث عن البريق بقدر ما يبحث عن القيمة، فاختار دائمًا الأدوار التي تحمل رسالة إنسانية وأخلاقية، ليصبح نموذجًا للفنان صاحب المبدأ.


 نصيحة الشعراوي التي غيّرت مسار حياته

مرّ الفنان الراحل بفترة تأمل وتساؤل حول ما إذا كان الفن حلالاً أم حراماً، فقرر أن يستفتي الإمام محمد متولي الشعراوي.
وجاء رد الشيخ:«يا حسن، الفن ليس حرامًا إذا قال كلمة طيبة وأصلح ولم يفسد».

 

تلك الكلمات كانت نقطة تحول في حياته، إذ قرر بعدها أن يستمر في رسالته الفنية بشروطه الخاصة، فاشترط أن يتضمن كل عمل له مشهد صلاة، قائلاً إن ذلك قد يكون سببًا في تذكير الناس بالعبادة وتقوية علاقتهم بالله.
ومنذ ذلك الحين، أصبح “الفنان الداعية” الذي جمع بين الفن والإيمان، دون أن يتخلى عن صدقه أو احترامه لفنه وجمهوره.


 

 الوصية الأخيرة.. وفنان رحل وهو على يقين

في أيامه الأخيرة، دخل حسن عابدين في غيبوبة متقطعة، وكان يفيق بين الحين والآخر ليذكر الله.
رُوي أن أسرته لقّنته الشهادة 14 مرة، وكان كلما أفاق نطقها بطمأنينة، وكأنما يستعد للقاء ربه بقلب راضٍ.
أما وصيته الأخيرة لأبنائه فكانت بسيطة ولكنها بليغة:“صلّوا، ولا تقطعوا رحمكم، وتقربوا إلى الله دائمًا.”

 


 

 إرث لا يموت

رحل حسن عابدين في هدوء كما عاش، تاركًا خلفه جيلًا من الفنانين الذين تربّوا على مبادئه، وجمهورًا لا يزال يذكره بابتسامة وحنين.
كان فنانًا يعرف أن الفن رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن البقاء الحقيقي هو في القلوب لا في الأضواء.

وفي ذكرى رحيله السادسة والثلاثين، يبقى حسن عابدين رمزًا للإنسان الفنان، الذي جمع بين الإيمان والموهبة، وبين القوة والتواضع، فاستحق أن يُخلّد اسمه كأحد أنبل وجوه الدراما المصرية على مر العصور.

أخبار متعلقة :