نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر مؤمن الجندي يكتب: الظالم والمظلوم في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - في لحظة قصيرة لا تتعدى ثوانٍ، تصنع الأعين حُكمًا، ويصوغ الجمهور رواياته، وتتحول الإشارة الصغيرة إلى عاصفة من الجدل.. هكذا كان مشهد أحمد السيد زيزو، حين رفض مصافحة هشام نصر، نائب رئيس نادي الزمالك، أثناء تتويج الأهلي بالسوبر المصري في أبوظبي.
مشهد بسيط في ظاهره، لكنه عميق في معناه.. بين يدٍ انتظرت التحية وأخرى تراجعت، كانت هناك قصة كاملة عن الكرامة، والغضب، والوجع، وربما عن السلام الغائب بين البشر قبل أن يغيب بين الأيادي.
هل يحق للإنسان أن يتجاهل السلام حين يفيض قلبه بالمرارة؟ نعم، يمكن أن يفعل.. فالألم أحيانًا يجعلنا نُعرض حتى عن الكلمات البسيطة.
لكن.. هل كل مقام يُحتمل فيه هذا التجاهل؟ قطعًا لا.. فالمواقف العامة لها ضوءها وعدستها، ولها جمهورها الذي لا يقرأ ما في القلب بل يرى ما في الصورة فقط.
من زاوية الأصول واللياقة، كان يمكن لزيزو أن يُلقي السلام ويعبر، فالإسلام علمنا أن "إفشاء السلام" صدقة، وأنه لا يُنقص من قدر أحدٍ أن يُصافح من اختلف معه.
لكن من زاوية الإحساس، ربما شعر زيزو أن تلك المصافحة خيانة لنفسه، أو قبول لمن أساء إليه، أو تنازل عن كرامةٍ مجروحة أمام جمهور لم يرحمه.
وهنا تكمن المعضلة: نحن بشر، لا نُحاكم بالعقل وحده، بل تمزقنا مشاعرنا بين ما يجب أن نفعل، وما نقدر على فعله.
زيزو، في لحظته تلك، لم يكن لاعبًا أمام منصة التتويج، بل إنسانًا أمام مرآة نفسه.. قد يرى البعض أنه أخطأ، وقد يرى آخرون أنه كان صادقًا مع ذاته.
لكن الحقيقة الأعمق أن الموقف نفسه يُذكرنا كم أصبح السلام بيننا ترفًا، وكم صرنا نحمل في صدورنا من أوجاعٍ تجعل حتى التحية عبئًا.. صار السلام قرارًا سياسيًا، والمصافحة معركة، والابتسامة تُقرأ على أنها اصطفاف.
لقد غاب السلام في الملاعب، وفي الشوارع، وفي القلوب.. وغاب أكثر حين صار الناس يقيسون النوايا بالمقاطع، ويحاكمون المشاعر بالهاشتاجات.
زيزو لم يكن وحده في تلك اللحظة، بل كان مرآةً لجيلٍ يتأرجح بين الكرامة والمجاملة، بين ما يُطلب منه أن يظهر، وما يختبئ في صدره من وجعٍ لا يُقال.
في النهاية، لا يمكن أن نحكم.
لكن يمكن أن نتأمل: أن نسأل أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا — كم مرة مدّ إلينا أحدهم يده، فاخترنا أن نُدير وجوهنا؟
وكم مرة صافحنا ونحن نخفي الغضب في أعماقنا؟
السلام ليس مجرد كلمة، بل امتحان.
امتحانٌ للروح، قبل أن يكون لليد.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
