القاهرة - محمد ابراهيم - في زمن يختلط فيه البريق الزائف بالحضور الحقيقي، يبقى الفنان شريف دسوقي نموذجًا نادرًا لفنان يؤمن أن الفن رسالة حياة لا مهنة عابرة، هو الموهبة التي لم تُكسر رغم ما مرّ به من محن، والروح التي واجهت الألم بالإبداع والابتسامة، وفي عمله المسرحي الأخير “ع الرايق”، المعروض ضمن مهرجان نقابة المهن التمثيلية المسرحي الدورة الثامنة، عاد دسوقي ليجسد أعظم أشكال الانتصار الإنساني والفني معًا: العودة بالابتسامة والعمل بعد رحلة وجع حقيقية.
«ع الرايق».. كتابة من لحم التجربة
حين يكتب شريف دسوقي، فهو لا يكتب بالحبر، بل بنبض التجربة الشخصية، النص في “ع الرايق” لا يلهث وراء الإبهار، بل يبحث عن الصدق في التفاصيل الصغيرة في الحوار، في الموقف، في النَفَس الإنساني الذي يلامس الجمهور، هو نص ارتجالي يوازن بين السخرية والوجع، بين الحلم والواقع، ويرسم بمهارة صورة الإنسان المصري البسيط الذي يحاول أن يعيش “ع الرايق” وسط عالم مليء بالتوتر والضغوط، المسرحية تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ المسرح العفوي الإنساني، الذي يعتمد على الإحساس، وعلى الفكرة.
في الإخراج، يقدّم دسوقي درسًا في البساطة الثرية،يعتمد على حركة الممثل أكثر من حركة الديكور، وعلى الإيقاع النفسي لا الزمني، فيخلق حالة من الانغماس التلقائي لدى الجمهور.
الموسيقى والإضاءة في العرض ليست عناصر تجميل، بل شركاء في السرد، تعكس توازنًا بين الضوء والظل، بين الصمت والكلمة، شريف دسوقي كمخرج، يبدو كمن يعزف على أوتار الحياة نفسها، بعين فنان ووجدان إنسان.
جبر الخاطر بالفن.. والجمهور شريك في المعجزة
ما حدث بعد العرض لم يكن مجرد تصفيق؛ كان جبر خاطر جماعي، الجمهور الذي تابع رحلة دسوقي في صعوده وسقوطه وعودته، لم يره اليوم كضحية، بل كمنتصر على الألم، كل ضحكة خرجت من القاعة كانت بمثابة طاقة حب أعادت للفن معناه الأصيل: أن يربط القلوب، وفي المقابل، قدّم دسوقي لجمهوره رسالة هادئة "اللي يجبر خاطر الناس، عمره ما يخسر”، والوهبة من عند الله فهو الوهاب.
الفنان الذي لا يذوب في الوجع
ما يميز شريف دسوقي اليوم أنه لم يتحول إلى حالة بكائية كما قد يحدث مع من مرّ بتجربة صعبة، بل إلى رمز صادق للقدرة على النهوض، موهبته لم تبهت، بل ازدادت صفاءً ونضجًا، لقد اختار أن يحوّل الألم إلى طاقة إبداع، لا إلى شكوى، وأن يجعل المسرح ساحة تعافي لا مساحة حنين للماضي.
شريف دسوقي.. الفن حين يصبح شفاءً
في كل تفصيلة من العرض، وفي كل كلمة نابعة من قلبه، يذكّرنا دسوقي أن الفن لا يُقاس بالتصفيق، بل بالأثر.
هو فنان أثبت أن المسرح يمكن أن يكون علاجًا للروح، وأن الجمهور حين يجبر خاطر فنان، فهو في الحقيقة يجبر خاطر نفسه أيضًا، شريف دسوقي هو البرهان الحي على أن الضوء لا ينطفئ ما دام صاحبه صادقًا.
أخبار متعلقة :