نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر مؤمن الجندي يكتب: سفراء بلا حقيبة في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - عشت عامًا كاملًا في أبوظبي، مدينة تنبض بهدوء لا يشبه صخبنا المعتاد، لكنها تمنحك فرصة أن تسمع نفسك بوضوح.. في شوارعها النظيفة المنظمة، كنت أبحث عن صوت يشبه القاهرة.. عن بائع ينادي بلهجة بلدي، عن أغنية قديمة تتسلل من مقهى، عن أي شيءٍ يعيدك للحياة كما تعرفها هناك.
وحين جاء كأس السوبر المصري، شعرت أنني وجدته أخيرًا — ريحة مصر.
لم تكن مباريات عادية للأهلي والزمالك وبيراميدز وسيراميكا، كانت موعدًا للقلوب قبل أن تكون منافسة للأقدام.. المصريون في كل مكان، يلوحون بالأعلام، يهتفون بأسماء أنديتهم وكأنهم على مدرجات استاد القاهرة لا على أرض بعيدة.
تجمعهم لحظة، وتجمعنا نحن أيضًا، نحن الذين نحمل الوطن معنا كصورة في الجيب، نخرجه كلما ضاقت الغربة أو بردت المسافات.
أبوظبي لم تكن سوى مسرح جميل لتلك الحالة.. مباراة، لكن بطعم البيت، وبصوت مصر وهي تهمس في آذان أبنائها: “لسه فاكرين؟”.
حتى الأزمة الشهير ثلاثي الزمالك أمام المحكمة، التي رافقت البطولة وقتها، وانتهت بعفو من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مرت علينا كاختبار صغير لمعنى الصورة التي نتركها عن أنفسنا في الخارج.
فالبلاد لا تُقاس فقط بما تبنيه في أرضها، بل بما يفعله أبناؤها حين يخرجون منها.
واليوم، مع اقتراب السوبر المصري الجديد في الإمارات لعام 2025، لا أفكر في النتيجة بقدر ما أفكر في الانطباع.
كل مصري في البعثة، لاعبًا كان أو إعلاميًا أو مشجعًا، هو سفير لوطنٍ أكبر من أي شعار رياضي.
سفير لبلدٍ عريق ينتظره الآخرون ليقولوا: “هكذا هم المصريون”.. في مواقفنا، في طريقتنا في الكلام، في احترامنا لأنفسنا ولمن حولنا — هناك وطن كامل يُحاك حضوره في أعين الناس دون أن نقول اسمه.
الغربة تعلمنا أن مصر ليست مكانًا فحسب، بل حالة.. هي إحساس يسكنك مهما ابتعدت، صوت خافت في داخلك يقول: "ارجعلي ولو بخيالك".. هي رائحة الشاي بالنعناع في صباح السفر، ونداء بائع الجرائد في شارع مزدحم، وصوت أمّ تُوصي ابنها بالستر قبل أن يغادر، وضحكة صديق تأتيك عبر الهاتف كأنها تصافح قلبك.
مصر حالة من الألفة والضجيج والحنين في آن واحد، تجمع بين دفء البيت وضوضاء الشارع، بين الدعاء في الإذاعة وقت دوت الخليج وصوت المعلق في مباراةٍ حاسمة.
إنها الوطن الذي لا يغيب، لأننا نحمله معنا حتى ونحن نحاول الهروب من ازدحامه..
وحين تراها في بطولة أو علم أو لهجة في الغربة، تشعر أنك عدت فعلًا، ولو للحظة قصيرة لا تُنسى.
لهذا، لا أريد من السوبر هذا العام إلا شيئًا واحدًا: أن نكون على قدر الاسم الذي نحمله.. أن نتصرف كما يليق بـ سفراء مصر في الخارج، لأن البطولة الحقيقية ليست في رفع الكأس، بل في أن نُبقي صورة بلدنا مرفوعة بين الناس.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
أخبار متعلقة :