العالم اليوم - لماذا سيكون من الصعب تكرار العصر الذهبي للصناعة الأميركية؟

انتم الان تتابعون خبر لماذا سيكون من الصعب تكرار العصر الذهبي للصناعة الأميركية؟ من قسم اخبار العالم والان نترككم مع التفاصيل الكاملة

شهد محمد - ابوظبي في الاثنين 17 نوفمبر 2025 11:16 صباحاً - شهدت الولايات المتحدة، في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ما يمكن وصفه بالعصر الذهبي للصناعة الأميركية. فمن أربعينيات القرن الماضي وحتى أواخر السبعينيات، شكّل الازدهار الصناعي محرّكاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في أميركا، وبوابة واسعة لفرص العمل التي أسست لظهور طبقة متوسطة قوية ومزدهرة.

ورغم تشابك العوامل التي صنعت العصر الذهبي للصناعة الأميركية، ما زال الكثير من الأميركيين ينظرون إلى تلك الفترة من التاريخ بوصفها أمراً طبيعياً كان يفترض أن يستمر. أما السياسيون، وعلى مختلف توجهاتهم، فيستحضرون تلك الحقبة كنوع من المجد الضائع الذي يمكن استعادته ببساطة، سواء عبر فرض رسوم جمركية جديدة، أو عبر الدعوات المتكررة لشراء منتجات مصنعة في أميركا.

صدفة لا يمكن تكرارها

إلا أن تقريراً نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد دوت الخليج"، كشف أن استعادة العصر الذهبي للصناعة الأميركية أمر غير ممكن، حيث ذكر التقرير أن نموذج التصنيع الأميركي في منتصف القرن العشرين لم يكن طبيعياً، بل هو نتيجة صدفة تاريخية لا يمكن تكرارها.

ووُلِد العصر الذهبي الصناعي الأميركي في ظروف فريدة، تبددت بسرعة تقارب سرعة ظهورها، حيث أُجبر المنافسون العالميون على الخضوع، وكانت الطاقة زهيدة الثمن، وكان بإمكان نقابات العمال الأميركية مطالبة الصناعات بتقديم تنازلات، دون الخوف من فقدان الوظائف لصالح المنافسين الأجانب.

ويقول نيلسون ليختنشتاين، مؤرخ العمل ورأس المال في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، إنه بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال العصر الذهبي للصناعة الأميركية وازدهار الطبقة الوسطى، كان هناك تنافس محتدم بين الصناعة والعمال، وكانت الإضرابات كبيرة ومتكررة، في جميع الصناعات الكبرى مثل الصلب، والسيارات والنقل بالشاحنات والمطاط وتعدين الفحم، حيث أن هذا الضغط المتواصل من الطبقة العاملة المنظمة رفع الأجور وأوجد مجموعة من المزايا الإضافية، بما في ذلك التأمين الصحي ومعاشات التقاعد.

نهاية العصر الذهبي

ولكن بحلول منتصف الستينيات، بدأت الرياح المالية تهب، واستنزفت حرب فيتنام الخزائن الفيدرالية في أميركا، وتسارع التضخم مع تفاقم عجز الموازنة الحكومية، مما أدى إلى إضعاف الدولار. وعندما تخلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عن ربط الدولار بالذهب في عام 1971، أدى ذلك إلى انهيار نظام بريتون وودز، النظام الذي كان يحافظ منذ عام 1944 على استقرار أسعار الصرف ويسهّل التجارة العالمية، حيث أطلقت هذه الخطوة العنان لتقلبات العملة، مما قوّض القوة الشرائية للدولار الأميركي في الخارج، وساهم في حالة عدم اليقين الاقتصادي التي شكّلت تحدياً للصناعة الأميركية والطبقة الوسطى في العقد الذي تلا ذلك.

ومن ثم جاءت صدمات النفط في عام 1973، إذ تسبب تحرك أوبك النفطي برفع أسعار الطاقة، بنحو أربعة أضعاف، ما قلّص أرباح الشركات الأميركية بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، عادت المنافسة الأجنبية بقوة، إذ أعادت اليابان وكوريا وألمانيا بناء صناعاتها وتحديثها. أما الشركات الأميركية، فكانت تواجه تكاليف متزايدة مثل المعاشات التقاعدية، مما قلل من قدرتها على الاستثمار في البحث والتطوير والتوسع.

الطريق الجديد لأميركا

وعندما وقّع الرئيس الأميركي بيل كلينتون اتفاقية نافتا عام 1993 ودافع عن منظمة التجارة العالمية عام 1995، لم يكن ذلك خيانة بقدر ما كان تتويجاً منطقياً لإجماع أميركي جديد، يتمثل بفكرة أن التجارة الحرة والعولمة، وليس الحمائية الصناعية، هي التي ستدفع عجلة الازدهار في البلاد.

وبينما كان صانعو السياسات في أميركا يسعون للتخلي عن فكرة اعتبار التصنيع رافعة لتحقيق الازدهار الاقتصادي في البلاد، كان أبناء العمال يلتحقون بالجامعات بأعداد قياسية، وقليل منهم طمح للعودة إلى المصانع.

نمط جديد

وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فقد تراجع قطاع التصنيع الأميركي، مع انتقال الهيبة الاقتصادية إلى قطاعات التمويل والقانون والتكنولوجيا والإعلام، واليوم ترتكز الأمثلة الواعدة لاقتصاد البلاد على الابتكار والعمالة الماهرة، مثل صناعة أشباه الموصلات في أريزونا، والمنسوجات المتقدمة في ماساتشوستس، والمركبات الكهربائية في ميشيغان. فهذه الصناعات تعتمد على رأس المال الكثيف، وسلاسل التوريد المعقدة، لا على العمالة الكثيفة، رغم أنها تخلق وظائف عالية الجودة.

وشدد التقرير على أنه لا يمكن إعادة إحياء العصر الذهبي الأميركي، ولا يمكن الاستمرار في تصويره على أنه أسطورة، ولكن يمكن للبلاد ابتكار استراتيجية صناعية جديدة، والتوقف عن استخدام الماضي كنموذج مطلق للمستقبل.

نموذج لا يمكن تكراره

ويقول المحلل الاقتصادي جورج كرم، في حديث لموقع "اقتصاد دوت الخليج"، إنّ نقاش بشأن "العصر الذهبي" للصناعة الأميركية، غالباً ما يفتقر إلى قراءة دقيقة للسياق التاريخي الذي نشأ فيه هذا الازدهار، فالولايات المتحدة لم تكن تمتلك نموذجاً يمكن تكراره بقرار سياسي أو عبر حزمة من الحوافز، بل استفادت من مجموعة ظروف استثنائية، فبعد الحرب العالمية الثانية، خرجت أميركا بقدرات إنتاجية ضخمة وغير متضررة، بينما كانت قوى صناعية منافسة مثل ألمانيا واليابان مدمّرة بالكامل، وبفضل ذلك وجدت الشركات الأميركية نفسها اللاعب الوحيد تقريباً في العديد من الأسواق العالمية، حيث أنّ هذا التفرّد التنافسي مكّن الصناعات الثقيلة الأميركية من التوسع بلا ضغوط خارجية تقريباً، فيما سمحت الطاقة الرخيصة والنظام المالي المستقر ونقابات العمال القوية، بخلق دينامية اقتصادية رفعت الأجور ووسّعت الطبقة الوسطى.

وصفة ذهبية غير مستدامة

وبحسب كرم فإن هذه "الوصفة الذهبية" لم تكن مستدامة، إذ بدأت التحديات بالتكاثر انطلاقاً من ستينيات القرن الماضي، فالإنفاق على حرب فيتنام خلق ضغوطاً مالية هائلة وعجزاً متفاقماً، فيما أدى التخلي عن معيار الذهب عام 1971 إلى تقلبات واسعة في أسعار الصرف، ما أضعف القدرة الشرائية للدولار، ثم جاءت صدمات النفط عام 1973 لترفع تكاليف الإنتاج بشكل غير مسبوق، ما كشف هشاشة الصناعات الأميركية الثقيلة مقارنة بمنافسيها الآسيويين الذين كانوا يعتمدون تقنيات أحدث وكلفة تشغيل أقل.

ويكشف كرم أن دخول اليابان وكوريا وألمانيا ومن ثم الصين كمنافسين متطورين، فرض واقعاً جديداً  في الصناعة العالمية، لتجد الشركات الأميركية نفسها أمام نموذج إنتاجي أكثر حداثة منها، في وقت كانت فيه هذه الشركات مثقلة بأعباء صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي للعمّال، وبذلك تحوّل ما كان نقطة قوة للطبقة العاملة الأميركية إلى نقطة ضعف تنافسية، حيث ترافق ذلك مع تراجع رغبة الأجيال الجديدة في العمل في المصانع، ما كرّس تحوّل أقتصاد أميركا نحو اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا.

العالم تغيّر

شدد كرم على أن استعادة العصر الذهبي للصناعة الأميركية، أمر غير منطقي اقتصادياً، فالاقتصاد العالمي اليوم لا يشبه عالم 1945، والمنافسة لم تعد تعتمد على العمالة الكثيفة، بل على رأس المال والبحث والابتكار وسلاسل التوريد المتشابكة، ومن هنا بات على أميركا نسج استراتيجية صناعية جديدة، تستفيد من القطاعات الواعدة اليوم مثل الرقائق والذكاء الاصطناعي.

استراتيجية المستقبل

من جهتها تقول الصحفية الاقتصادية رلى راشد، في حديث لموقع "اقتصاد دوت الخليج"، إن المستقبل الصناعي الأميركي سيكون نموذجاً مختلفاً بالكامل، يقوم على الابتكار والقدرات التقنية، وليس على استعادة وصفة تاريخية لن تتكرر، مشددةً على أن الدعوات السياسية لاستعادة مجد الاقتصاد الأميركي من خلال الرسوم الجمركية، و شراء المنتجات الأميركية لن يكون كافياً، فالاستراتيجية الصناعية الناجحة للمستقبل، يجب أن تتبنى نموذجاً يعتمد على الابتكار المستمر.

وتعتبر راشد أنه على أميركا التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة بالنسبة لاقتصادها، والتي تعتمد على رأس المال والمعرفة أكثر من اعتمادها على العمالة، مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية المتقدمة، فهذه هي "مصانع المستقبل" التي ستولّد وظائف ذات جودة عالية ورواتب مرتفعة، وتمنح الاقتصاد الأميركي ميزة تنافسية، مشيرةً إلى أن واشنطن باتت تدرك هذا الأمر جيداً، ولذلك نراها تدفع بقوة نحو قيادة العالم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتطوير البنية التكنولوجية الضرورية له، وتحاول أن تُبقي هذه التكنولوجيا محصورة في يدها.

طريق استعادة التفوق

وترى راشد أنه إذا أرادت واشنطن استرجاع ريادتها الاقتصادية، فإن الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هو الطريق الصحيح لذلك، فالذكاء الاصطناعي اليوم يشبه ما كانت تمثله الكهرباء أو الإنترنت في القرن الماضي، حيث أن هذه التقنية ستكون قادرة على إعادة تشكيل كل قطاع من التصنيع إلى الخدمات المالية والرعاية الصحية، ومن هنا فإن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لا يخلق فقط نماذج أعمال جديدة، بل يحفّز الإنتاجية ويولّد وظائف عالية المهارة، ويعزّز قدرة الشركات الأميركية على المنافسة في وقت تتحرك فيه الصين بسرعة كبيرة في هذا المجال، لذلك على أميركا أن تضاعف استثماراتها في هذه التقنية لضمان بقاء الابتكار على أرضها.

نرجو ان نكون قد وفقنا في نقل التفاصيل الكاملة الخاصة بخبر لماذا سيكون من الصعب تكرار العصر الذهبي للصناعة الأميركية؟ .. في رعاية الله وحفظة

أخبار متعلقة :