أندرو محسن لـ دوت الخليج: دورة الجونة الثامنة الأقرب إلى قلبي والأكثر توازنًا في تاريخ المهرجان

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر أندرو محسن لـ دوت الخليج: دورة الجونة الثامنة الأقرب إلى قلبي والأكثر توازنًا في تاريخ المهرجان في المقال التالي

أحمد جودة - القاهرة - كسرنا الحاجز بين "السينما الجماهيرية" و"سينما المهرجانات"
-المشاركة المصرية هذا العام مغامرة ناجحة بكل المقاييس

--لم نحقق الطموح في عدد الأفلام العربية والأزمات السياسية تركت أثرها على الأفلام
-نعمل من أجل الجمهور وليس لإرضاء أذواق المتخصصين فقط
-1500 فيلما تقدم للمهرجان.. والاختيار احتاج نقاشات شاقة
- تنوع جنسيات فريق البرمجة سر ثراء مهرجان الجونة وتنوع برنامجه
- قراراتنا جماعية ولا مكان للمجاملات والاختلافات في الرأى صبت لصالح المهرجان


بعد ختام الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، التي شهدت مشاركة واسعة من الأفلام المصرية والعربية والدولية، وتنوّعًا لافتًا في البرامج والعروض، أجرينا هذا الحوار مع أندرو محسن، رئيس البرمجة بالمهرجان، الذي تحدث في هذا الحوار عن كواليس إعداد البرنامج، وكيفية تحقيق التوازن بين الأفلام الفنية والجماهيرية، والعوامل التي تتحكم في اختيار الأعمال المشاركة. 

كما يتناول رؤيته للحضور المصري في الدورة الأخيرة، وتأثير الأزمات السياسية في المنطقة على طبيعة الأفلام المعروضة، إضافة إلى تفاصيل التعاون مع المديرة الفنية للمهرجان ماريان خوري، والدور الذي تلعبه إدارة البرمجة في رسم هوية المهرجان وتطويره.

بعد انتهاء فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان الجونة، إلى أي مدى تشعر بالرضا عن هذه الدورة من حيث مستوى الأفلام، التنظيم، وتفاعل الجمهور؟ وهل هناك جوانب معينة تعتبرها إنجازًا خاصًا هذا العام؟

أشعر برضا كبير جدًا عن هذه الدورة، ويمكنني القول إنها من بين أكثر الدورات التي أفتخر بها خلال عملي في مهرجان الجونة. من بين ثلاث دورات شاركت فيها، أعتبر هذه الدورة الأقرب إلى قلبي، خاصة من حيث ردود الأفعال الإيجابية التي وصلتنا من صناع الأفلام والمخرجين والمنتجين والموزعين، سواء من الذين حضروا المهرجان أو حتى من لم يتمكنوا من الحضور لكن تابعوا أصداءه من خلال زملائهم أو من خلال الصحافة والجمهور.

كما أن هناك جوانب كثيرة أعتبرها إنجازا، من بينها الحضور الكبير للأفلام المصرية هذا العام والتوازن الواضح بينها، إلى جانب الإقبال الجماهيري المستمر حتى اليوم الأخير على عروض الأفلام على مسرح "البلازا" التش شهدت حضورًا ضخمًا وتفاعلًا واضحًا مع صناع الأفلام، وكان الجمهور مهتمًا بالتعليق والمناقشة حتى آخر يوم. 
في البداية كنا قلقين لأن المشاركة المصرية كانت مغامرة بهذا الحجم، لكن النتيجة في النهاية كانت مرضية جدًا ومشجعة.


كان الحضور المصري هذا العام لافتًا بالفعل، سواء داخل المسابقات أو خارج المسابقة الرسمية. كيف تقيّم هذه المشاركة من حيث المستوى الفني والموضوعات؟ وهل كان اختيار هذا العدد من الأفلام المصرية، الذي بلغ أحد عشر فيلمًا، أمرًا مقصودًا؟

الحقيقة إن الأمر لم يكن مخططا له بهدف الوصول إلى رقم معين أو تحقيق نسبة محددة من الأفلام المصرية. في النهاية، نحن كمهرجان نعمل كمنصة عرض، ولدينا أيضًا منصة سيني جونة التي تقدم دعمًا لإنتاج الأفلام، لكننا لا نقوم بالإنتاج بأنفسنا. لذلك، قد يقل العدد في العام المقبل أو يزيد، وهذا أمر طبيعي.
 

وبالتأكيد أتمنى أن يظل هناك حضور قوي للأفلام المصرية كل عام، لأن هذا ما يليق بتاريخ السينما المصرية ومكانتها.

هذه السنة تحديدًا، توافرت مجموعة كبيرة من الأفلام المصرية الجيدة، ولا يمكن القول إن ذلك جاء بمحض الصدفة، بل نتيجة عمل مبكر بدأناه منذ فترة طويلة. أول فيلمين تم الاتفاق عليهما كانا "المستعمرة" و"50 متر"، ثم توالت باقي الأعمال تدريجيًا، وكان آخرها "السادة الأفاضل" الذي رأينا أن يكون عرضه جماهيريًا كفيلم تجاري يحمل جودة فنية عالية، لأننا حرصنا على كسر الفكرة التقليدية بأن هناك “أفلام مهرجانات” وأخرى “تجارية”. من وجهة نظرنا، أي فيلم جيد ومتماسك فنيًا يمكن أن يُعرض في المهرجان إذا توفرت له الفرصة المناسبة.

أما بالنسبة للأفلام القصيرة، فكان الوضع مميزًا هذا العام، خصوصًا بمشاركة فيلمين مصريين في فئة التحريك، وهو أمر نادر الحدوث. أحدهما "س الديب ورحلة البحث عن التاج المفقود" للمخرج سامح علاء، والآخر "خائنة الأعين"، وانضم إليهما فيلمان آخران في نفس الفئة.
 

في النهاية، كانت النتيجة مرضية جدا، رغم تفاوت ردود الفعل تجاه بعض الأفلام، وهو أمر طبيعي ومتوقع. لكن بشكل عام أعتبر الحصيلة النهائية للمشاركة المصرية هذا العام ناجحة جدًا ومشرّفة.


كان هناك توازن واضح هذا العام بين الأفلام الجادة أو الفنية وتلك التجارية. كيف تنجحون في تحقيق هذا التوازن، ومراعاة ذائقة الجمهور دون الإخلال بهوية المهرجان الفنية؟

أي فيلم يُدرج ضمن برنامج المهرجان يمرّ بعدد كبير من النقاشات داخل فريق البرمجة، وغالبًا ما تُطرح مقارنات بينه وبين أفلام أخرى قد تتناول موضوعات مشابهة. 

وأحيانًا، عندما تتقدّم دولة بأكثر من عمل متميز، تجرى مناقشات حول أيٍّ منها يمثلها في هذه الدورة، وقد تُتخذ استثناءات محددة في بعض الحالات الخاصة.
 

كل فيلم يثير آراءً مختلفة داخل الفريق، والاتفاق أو الاختلاف بشأنه جزء طبيعي من عملية الاختيار، لكن القاعدة الأساسية التي ننطلق منها دائمًا هي البحث عمّا يخدم المهرجان ككل.
 

نحرص على أن يتضمّن البرنامج أفلامًا ذات قيمة فنية عالية، حتى وإن كانت موجهة إلى جمهور محدود، لأنها تمثّل جانبًا أساسيًا من صناعة السينما وتشكل جزءًا من هوية المهرجان. وفي الوقت نفسه نعمل على إدراج أفلام قادرة على جذب جمهور أوسع، سواء كانت أعمالًا جماهيرية مثل "السادة الأفاضل"، أو أفلامًا تتميز بسرد بسيط.
 

فنحاول دائمًا الموازنة بين الجانبين بحيث يظهر البرنامج في صورته المتكاملة، التي تجمع بين القيمة الفنية والتواصل مع الجمهور.

كيف تحافظون على هذا التوازن داخل فريق البرمجة بين ما يرضي النقاد وما يجذب الجمهور؟

نحن نفكر دائمًا في الجمهور، وليس في الذوق الشخصي للمبرمج أو الناقد، وهذا ينطبق على جميع أعضاء الفريق، خاصة وأن من أهم ميزات فريق البرمجة في مهرجان الجونة كونه يضم أسماء من خلفيات وثقافات متعددة: من فرنسا نيكول جيميه، ومن إيطاليا تيريزا كافينا، ومن الهند رامان شاولا، إضافة إلى موفق الشوربجي المصري اللبناني، ومحمد تيمور من مصر.

هذه المجموعة من المبرمجين تمثل آراء متنوعة جدًا، ولكل مبرمج ذائقة مختلفة. وهناك دائمًا نقاش وتفاهم حول طبيعة الأفلام التي تُعرض، بين ما نراه نحن كأفراد أفلامًا جيدة فنيًا من وجهة نظرنا الخاصة، وبين الأعمال التي قد لا تكون الأقرب لنا كمبرمجين لكنها قادرة على جذب الجمهور العام.
ومن هنا نحاول باستمرار إيجاد التوازن بين الجانبين، بحيث نحافظ على هوية المهرجان الفنية وفي الوقت نفسه نضمن تفاعل الجمهور مع الأفلام المعروضة.


ما مدى تأثير الأزمات السياسية في المنطقة على طبيعة الأفلام العربية التي تتقدّم للمشاركة؟ وهل تلعب تلك العوامل دورا في اختيار الأعمال؟ أم أن إدراج مثل هذه الأفلام يكون قرارًا فنيًا بحتًا، أم يحمل أيضًا بُعدًا إنسانيًا ورسالة تضامنية؟


الأزمات السياسية بالتأكيد تُلقي بظلالها على الأفلام وصنّاعها، لأن المخرجين والفنانين جزء من هذه المنطقة وجزء مما يحدث فيها بشكل عام.
 

وليس الأمر مقتصرًا على صنّاع الأفلام في العالم العربي فقط، بل يمتد إلى المبدعين حول العالم، إذ نجد كثيرين يتأثرون بما يجري هنا، سواء من خلال مواقفهم أو من خلال أعمال فنية تتناول قضايا مثل الحرب والإبادة وما تشهده فلسطين من أحداث مأساوية. وهو أول عمل يصوّر الغارات الإسرائيلية في لبنان مؤخرًا، وقد صُوِّر من داخل المنطقة نفسها، لا من خلال مخرج وافد، مما منحه واقعية خاصة.

إلى جانب ذلك، تناولت بعض الأفلام الأخرى قضايا إنسانية أوسع تمسّ العالم كله، مثل فيلم "أورويل 2 +2= 5" الذي قدّم رؤية حول ما يشهده العالم من تدهور وصراعات وانقسامات نتيجة الحروب.
 

كل هذه العوامل تعكس بلا شك كيف تترك الأزمات السياسية أثرها على اختيارات المهرجان، وعلى طبيعة الأفلام التي تُقدَّم من المنطقة والعالم.

 

هناك دائمًا جدل حول فكرة "التنوع مقابل الجودة".. كيف تحافظون على إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الأصوات السينمائية المختلفة، وفي الوقت نفسه على المستوى الفني الذي يميز المهرجان؟
 

مهرجان الجونة حريص دائمًا على الحفاظ على مستوى فني مرتفع يليق بقيمته ومكانته. وقد ظهر ذلك هذا العام في اختيار مجموعة كبيرة من الأفلام الدولية المتميزة، والتي سبق أن حصدت جوائز كبرى في أهم المهرجانات العالمية مثل السعفة الذهبية، والدب الذهبي، والأسد الذهبي، إلى جانب أعمال أخرى نالت جوائز من مهرجانات مرموقة حول العالم.

كما حرصنا أيضًا على تقديم عدد من العروض العالمية الأولى، وهو ما نعتبره خطوة مهمة للحفاظ على التوازن المطلوب بين التنوع الفني وجودة الاختيارات. وسنسعى في الدورات المقبلة إلى تعزيز هذا التوازن أكثر، لأننا نؤمن بأن الجمع بين الأصوات المتنوعة والمستوى الرفيع للأفلام هو ما يصنع هوية المهرجان.

شهدت دورة هذا العام عرض 82 فيلمًا، من بينها أعمال شاركت في مهرجانات عالمية وأخرى قدّمت عرضها العالمي الأول في الجونة. في ظل هذا التنوع اللافت، كيف ترى المنافسة بين مهرجان الجونة وغيره من المهرجانات العربية الكبرى مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان البحر الأحمر؟

أرى أن المنافسة في صالح الجميع، وقد نجحنا هذا العام في الحصول على الأفلام التي كنا نرغب في عرضها، خاصة من ناحية الأفلام الأجنبية والدولية.
 

أما على مستوى الأفلام العربية -غير المصرية- فربما لم نوفق  بالقدر الكافي في تحقيق ما رغبناه، رغم أننا سعداء جدًا بعدد من الأعمال الوثائقية التي شاركت، وكذلك بفيلم "وين ياخذنا الريح" من تونس في مسابقة الأفلام الطويلة، والذي اعتبرناه من المشاركات المميزة.
 

ورغم ذلك نطمح في الدورات المقبلة إلى زيادة عدد الأفلام العربية المشاركة، لكننا ندرك في الوقت نفسه أن بعض صنّاع الأفلام يرتبطون بعقود مع مهرجانات أخرى بسبب اتفاقات العرض الأول أو الدعم الإنتاجي الذي يتلقونه، وهو أمر مفهوم تمامًا.
 

ولكننا نحاول دائمًا الوصول إلى تفاهمات مع المهرجانات العربية الأخرى وصنّاع الأفلام، لأننا نؤمن أن توسيع دائرة العرض للأعمال العربية الكبيرة يصبّ في مصلحة المخرجين والمنتجين قبل أي جهة أخرى.
 

وفي النهاية، نحن راضون عن النتيجة، كما نثمّن البرامج القوية التي تقدمها مهرجانات أخرى مثل القاهرة والبحر الأحمر والدوحة ومراكش، فجميعها تساهم في تعزيز حضور السينما العربية على الساحة الدولية.

نسمع كثيرًا عن "إدارة البرمجة" ودورها في المهرجانات، لكن ربما لا يعرف القارئ بدقة ما الذي تقومون به وراء الكواليس. هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن طبيعة عملك كمسؤول عن برمجة الأفلام في مهرجان الجونة؟ وما المهام الأساسية التي يتولاها فريق البرمجة؟

إدارة البرمجة هي الجهة المسؤولة عن وضع البرنامج الكامل للمهرجان، وهي تعمل منذ وقت مبكر جدًا على متابعة الأفلام الجديدة التي يتم إنتاجها أو تلك التي قاربت على الانتهاء. نحاول دائمًا الوصول إلى هذه الأفلام في مراحل مبكرة لضمان عرضها ضمن المهرجان.

جزء كبير من عملنا يتعلق بمشاهدة الأفلام التي تُرسل إلى المهرجان عبر موقعه الرسمي، وقد وصل عددها هذا العام إلى نحو 1500 فيلم.
 

إلى جانب ذلك، هناك الأفلام التي تصلنا من شركات التوزيع أو من صنّاع الأفلام مباشرة.

نُجري اجتماعات أسبوعية لمراجعة ما شاهده كل عضو من الفريق، وما يحتاج إلى قرار جماعي، إضافةً إلى مناقشات شبه يومية داخل مجموعاتنا الخاصة، لتحديد الأفلام التي يجب التحرك بشأنها بسرعة والتواصل مع صنّاعها أو مع الشركات المنتجة لها.

وهنا تبرز ميزة مهمة في مهرجان الجونة، وهي أن فريق البرمجة لدينا فريق دولي متنوع، ما يسهّل عملية الوصول إلى صُنّاع الأفلام حول العالم.
 

بعد ذلك تبدأ مرحلة تحديد أماكن الأفلام ضمن البرنامج: ما سيُعرض داخل المسابقة الرسمية، وما سيكون خارجها، وما يمكن ترشيحه لقسم سينما من أجل الإنسانية أو لجائزة الجمهور.

وفي المرحلة الأخيرة نعمل على وضع الجدول الكامل للعروض، ومراجعته مع الفريق لضمان أفضل توزيع ممكن للأفلام، بحيث يتمكن الجمهور من مشاهدة أكبر عدد منها خلال أيام المهرجان.

وجودك على رأس فريق البرمجة والمسؤول الأول عن اختيار الأفلام، إلى جانب المخرجة والمنتجة ماريان خوري في موقع المديرة الفنية للمهرجان، هل يخلق أحيانًا اختلافًا في وجهات النظر حول طبيعة الاختيارات؟ وكيف تتعاملون مع هذا التنوع في الرؤى داخل الفريق؟
 

بالتأكيد هناك تواصل وتعاون دائم بيني وبين المديرة الفنية للمهرجان وفريق البرمجة بأكمله.
 

أتواصل مع الفريق بشكل شبه يومي، سواء في ما يخص مشاهدة الأفلام أو تبادل الآراء والمقترحات. وغالبًا ما نحاول الوصول إلى اتفاق حول الشكل النهائي للبرنامج والأفلام التي يمكن أن تُضيف قيمة إلى المهرجان.

أحيانًا تحدث اختلافات في وجهات النظر، لكننا نحرص دائمًا على مناقشتها بشكل واضح داخل الفريق، حتى لا يكون هناك أي قرار فردي، وإنما قرارات جماعية تصب في مصلحة المهرجان قبل أي شيء آخر.
 

فنحن لا نعبّر عن آرائنا الشخصية بقدر ما نحاول الوصول إلى ما يمثّل "رأي المهرجان" نفسه، باعتباره المستفيد الأول والأخير من جودة الاختيارات.

وفي أغلب الوقت يسود التعاون والتفاهم بين الجميع، إذ توجد مهام محددة تخص المديرة الفنية، وأخرى أتحمل مسؤوليتها أنا بشكل مباشر، من بينها وضع البرنامج النهائي للأفلام بعد المراجعة والنقاش مع الزملاء في الفريق.

أخبار متعلقة :