العالم اليوم - بعد الخروج من تحت الأنقاض.. هل دخلت غزة حرب السرديات؟

انتم الان تتابعون خبر بعد الخروج من تحت الأنقاض.. هل دخلت غزة حرب السرديات؟ من قسم اخبار العالم والان نترككم مع التفاصيل الكاملة

شهد محمد - ابوظبي في الجمعة 10 أكتوبر 2025 07:20 صباحاً - وبينما تتنفس المدينة تحت ركامها، تحاول السياسة أن تتنفس بدورها تحت أثقال الحسابات الداخلية والرهانات الدولية.

من خلال حوارات ضيوف "دوت الخليج"، برزت 5 مقاربات متباينة لحدث واحد، تعكس التناقض بين الوجع الإنساني والمنطق السياسي، بين خطابٍ يدعو إلى مراجعة الذات وآخر يختبر صدقية الضمانات، وثالثٍ يقرأ مأزق التمثيل الفلسطيني ومخاطر التهجير.

وفي قلب هذه التباينات، يظل السؤال المركزي حاضرًا: هل أطفأ الاتفاق نار الحرب فعلًا، أم أنه فتح الباب أمام مرحلة تفاوضية جديدة لا تقل تعقيدًا عن سابقتها؟

الخطاب الإنساني ومأزق اللغة السياسية

قدّم مدير عام قناة "دوت الخليج"، نديم قطيش، قراءة نقدية حادة لطبيعة الخطاب السياسي والإعلامي في التعامل مع حرب غزة وما بعدها.

فبرأيه، الأهم اليوم ليس فقط رفع أنقاض المباني والمستشفيات والمدارس، بل "رفع أنقاض الخطاب" الذي كرّس الفلسطيني بوصفه ضحية أبدية، وقدّر له الموت كمصير دائم.

يرى قطيش أن المشكلة لم تعد في مشهد الدمار فحسب، بل في اللغة التي تبرّره أو تُعيد إنتاجه كجزء من سردية بطولية مستهلكة.

فالفلسطينيون – كما يؤكد – ليسوا مقدّرين على المأساة، ولا يمكن أن تكون المعاناة وظيفة وطنية أو مكوّنًا دائمًا للهوية السياسية.

ومن هنا دعا إلى مراجعة جذرية للخطاب الذي يُحوّل الألم إلى بطولة شكلية بدل أن يجعله منطلقًا نحو حلول واقعية تضمن حياة الفلسطينيين وكرامتهم.

وفي قراءته للمشهد الفلسطيني الداخلي، تحدث قطيش عن فقدان القرار الوطني المستقل نتيجة انقسامات متراكمة وضغوط خارجية، معتبرًا أن "الفلسطينيين دفعوا أثمانًا باهظة لا بأيديهم فقط، بل بأيدي محيطهم أيضًا".

وأوضح أن النقاش لم يعد يدور حول دولة فلسطينية تقليدية بحدود واضحة، بل حول "كيان يحتاج إلى إدارة حقيقية"، ومقدّرات تتطلب تنظيمًا وبنية مؤسساتية جديدة قادرة على إدارة الموارد والأمن والخدمات في آنٍ واحد.

أما على المستوى الدولي، فقد ربط قطيش بين تراجع الدعم التقليدي لإسرائيل في بعض الأوساط الأميركية وبين تغيّر البنية الاجتماعية والسياسية داخل الولايات المتحدة. فصعود تيارات جديدة في المجتمع الأميركي، إلى جانب تحولات في بنية اللوبيات المالية والإعلامية، أعاد رسم الخريطة السياسية الداخلية، وجعل من الدفاع المطلق عن إسرائيل موقفًا أقل رواجًا مما كان عليه قبل عقد من الزمن.

وتطرّق كذلك إلى التحولات الإقليمية، مشيرًا إلى أن تحالفات جديدة – مثل أولوية تركيا لسوريا – أعادت ترتيب أولويات اللاعبين الإقليميين وأثرت على خطابهم تجاه غزة. وخلص إلى أن المنطقة ربما تشهد نهاية حقبة الحروب القائمة على الأيديولوجيا والميليشيات، لصالح صيغ جديدة من إدارة الصراعات عبر الوساطة والتنمية.

كما شدد قطيش على أن إعادة إعمار غزة يجب أن تكون عملية شاملة تتجاوز إعادة البناء المادي إلى إعادة بناء الإنسان، من خلال التعليم والخدمات وإعادة تأهيل البنية الاجتماعية، معتبرًا أن "الخطاب السياسي والإعلامي إذا لم يُراجع نفسه، سيعيد إنتاج الكارثة بأسماء جديدة".

رواية الخلاص والاتهام بين الإنسانية والسياسة

قدّم الكاتب والمحلل السياسي عماد الدين أديب مقاربة تجمع بين البعد الإنساني والنقد السياسي العميق. فهو يرى أن أي لحظة توقف للدمار تمثل "رحمة ضرورية"، حتى لو جاء الحل "من الشيطان"، لأن وقف العنف في حد ذاته قيمة إنسانية لا يمكن المزايدة عليها. لكنه في الوقت نفسه يشدد على أن الرحمة وحدها لا تكفي لتأسيس واقع سياسي جديد، فالمشهد الدولي أكثر تعقيدًا من مجرد إعلان اتفاق.

وفي تحليله لدور الولايات المتحدة، قدّم أديب قراءة نقدية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي – بحسب وصفه – يمزج بين طموح شخصي متعاظم ورغبة في تسجيل إنجاز سياسي دولي يُعيد له اعتباره بعد سنوات من الجدل الداخلي. واعتبر أن ترامب يتعامل مع ملفات الشرق الأوسط بمنطق رجل الأعمال الذي يسعى لإبرام "صفقة ناجحة" أكثر مما يسعى لتحقيق سلام حقيقي. ومن هنا وصفه بـ"بائع السلام" الذي يقدّم وعودًا أكثر مما يقدّم حلولًا مستدامة.

ويرى أديب أن أي اتفاق سياسي لا يمكن أن يصمد دون بنية مؤسساتية عربية وفلسطينية قادرة على المتابعة، مشيرًا إلى أن الخلل لا يكمن فقط في موازين القوى، بل أيضًا في ضعف الإدارة الذاتية للملف الفلسطيني. لذلك دعا إلى تجاوز الخطاب الإعلامي التقليدي الذي يكتفي بإدانة العدوان أو تمجيد الصمود، نحو خطاب عملي يعترف بالتعقيدات ويعمل على تفكيكها ضمن رؤية شاملة.

ولفت أديب إلى أن توقف العمليات العسكرية لا يعني نهاية الحرب، بل انتقالها إلى ساحة جديدة تحكمها المفاوضات والمصالح، مؤكدًا أن "الهدنة الإنسانية" قد تتحول إلى هدنة سياسية طويلة إذا غابت الإرادة الحقيقية للسلام.

وأشار إلى أن مصداقية الضامن الدولي ستبقى على المحك، ما لم تقترن الوعود بخطوات تنفيذية تضمن حماية المدنيين وإعادة الإعمار ووقف الاستيطان.

خطاب أديب يحمل بعدًا تحريضيًا على التفكير النقدي، إذ يدعو النخب العربية إلى تجاوز الانفعالات وتبنّي مقاربة واقعية، قائمة على الوعي بموازين القوى الدولية. فالمشهد – كما يقول – لا يُقرأ من داخل غزة فقط، بل من واشنطن، ولندن، وموسكو، وأنقرة، والدوحة، حيث تُصنع السياسات وتُعاد صياغة موازين النفوذ.

ترامب والسلام الشرق أوسطي .. الشخصية تقود السياسة

بحسب محلل الشؤون الأميركية في "دوت الخليج"، موفق حرب، فإن فهم سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط يتطلب قراءة شخصيته وسياق تجربته بعد ولايته الأولى.

فترامب، الذي لا يزال يعتبر خسارته أمام جو بايدن "مؤامرة انتخابية"، يعيش حالة من السعي المستمر لإثبات الذات، سواء أمام الداخل الأميركي أو في الساحة الدولية.

ومن هذا المنطلق، فإن تحركاته الأخيرة في ملفات الشرق الأوسط تعكس رغبته في إعادة بناء إرثه السياسي.

وأوضح حرب أن الدعم الأميركي لإسرائيل يظل أحد الثوابت القليلة التي تجمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، رغم التآكل النسبي داخل صفوف الديمقراطيين، لا سيما بين الأجيال الشابة.

لذلك فإن موقف ترامب من الصراع في غزة لا يخرج عن هذا الإطار، وإن كان أكثر صراحة في تبنيه للأولويات الإسرائيلية، مع محاولة الموازنة الخطابية بين الأمن الإسرائيلي و"الحقوق الإنسانية للفلسطينيين".

وأشار حرب إلى أن تجربة ترامب مع ملف الحرب الروسية – الأوكرانية دفعته إلى التركيز على القضية الفلسطينية باعتبارها أكثر قابلية لإنتاج إنجاز دبلوماسي سريع يمكن تسويقه داخليًا.

كما رأى أن رغبته في الظهور بمظهر "رجل السلام العالمي" ليست بعيدة عن طموحه لنيل اعتراف دولي يعوّضه عن سنوات العزلة السياسية بعد مغادرته البيت الأبيض.

وفي معرض تحليله لتشابك القضايا الدولية، تحدث حرب عن "عولمة السياسات" حيث لم تعد الملفات الداخلية للدول الكبرى منفصلة عن سياساتها الخارجية.

فالقضية الفلسطينية، في نظر الإدارة الأميركية الحالية، ترتبط مباشرة بعلاقات واشنطن مع الحلفاء في الشرق الأوسط، وبموازين النفوذ مع الصين وروسيا. وبيّن أن هذا الترابط يجعل من كل خطوة أميركية في المنطقة انعكاسًا مباشرًا لاعتبارات انتخابية داخلية في الولايات المتحدة.

كما أشار إلى وجود شكوك حيال استعداد دول مثل قطر وتركيا للضغط على واشنطن وأوروبا لدعم السلطة الفلسطينية، في ظل حسابات معقدة تتعلق بالمصالح الاقتصادية والأمنية. فهذه الدول – بحسب حرب – تفضل لعب دور الوسيط أكثر من دور الشريك في الحل، ما يجعل المسار السياسي الفلسطيني عالقًا بين تعدد الوسطاء وغياب مركز قرار موحد.

التهديد الوجودي بعد 7 أكتوبر

قدّم محرر الشؤون الإسرائيلية في "دوت الخليج"، نضال كناعنة، قراءة واقعية لمشهد ما بعد الحرب، معتبرًا أن أحداث 7 أكتوبر مثّلت انفراجة على مستوى النجاة، لكنها لم تكن انتصارًا سياسيًا أو استراتيجيًا للفلسطينيين.

فالمكسب الأكبر – كما يقول – هو البقاء على قيد الحياة بعد كابوس الحرب، وليس تحقيق أي نصر ملموس على الأرض.

وأوضح كناعنة أن حركة حماس حاولت في خطابها الإعلامي تصوير ما جرى على أنه "قرار شعبي فلسطيني"، بينما كانت العملية في الواقع تصحيحًا لقرار سياسي خاطئ.

وهذا التناقض بين الخطاب والواقع يعكس مأزق التمثيل الفلسطيني، حيث لا تزال الحركات والفصائل تتحدث باسم الشعب دون تفويض واضح أو آلية ديمقراطية.

وأشار إلى أن فلسطينيي الداخل (فلسطينيو 48) عاشوا للمرة الأولى إحساسًا بتهديد وجودي حقيقي، ليس فقط على حياتهم اليومية، بل على وجودهم كهوية داخل إسرائيل. هذا التحول، برأيه، غيّر طبيعة العلاقة بين المجتمع الفلسطيني في الداخل ومحيطه في الضفة وغزة، وفتح نقاشًا جديدًا حول مستقبل التعايش والهوية في ظل صعود اليمين الإسرائيلي.

كما لفت كناعنة إلى أن أحداث الحرب أعادت إلى السطح قضية التهجير، حيث طُرحت علنًا ولأول مرة داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية أفكار تتحدث عن "خيار نقل سكان غزة"، وهو ما اعتبره تطورًا خطيرًا يهدد الوجود الفلسطيني برمته ويشرعن سياسات الإخلاء القسري.

وأكد أن إسرائيل، رغم خسائرها، ما زالت تفضل استمرار سيطرة حماس على القطاع بدل عودة السلطة الفلسطينية، ما يعكس توجهًا استراتيجيًا لدى اليمين الإسرائيلي لاستخدام الانقسام الفلسطيني كأداة دائمة لإدارة الصراع.

وختم كناعنة بالقول إن ما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله: فالفلسطينيون يواجهون اليوم مرحلة غير مسبوقة من التحديات، تبدأ من إعادة الإعمار ولا تنتهي بسؤال من يمثّلهم سياسيًا في مفاوضات ما بعد الحرب.

السلطة الوطنية والشرعية ومأزق التمثيل

يرى الوزير السابق والقيادي في حركة فتح، الدكتور نبيل عمر، أن المشهد الفلسطيني بعد 7 أكتوبر تغيّر جذريًا، إذ بات المشروع الوطني الفلسطيني تحت ضغط غير مسبوق من الولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل حجم الدمار الهائل الذي لحق بغزة والخسائر البشرية والمادية الواسعة. وأوضح أن السلطة الوطنية، رغم تهميشها إعلاميًا خلال الحرب، ما زالت تمثّل المرجعية الإدارية والمالية للفلسطينيين، خصوصًا فيما يتعلق بالرواتب والخدمات الأساسية.

وأشار عمر إلى أن السلطة، قبل اندلاع الحرب، واجهت حملة إسرائيلية مكثفة شملت الاستيطان والاعتقالات والمداهمات، ما أضعف بنيتها السياسية والأمنية. ومع ذلك، لا تزال تشكّل الكيان الشرعي الوحيد القادر على التواصل مع المجتمع الدولي وتلقّي الدعم العربي لإعادة إعمار غزة. فالدول العربية، بحسب عمر، تدرك أن تجاوز السلطة يعني تكريس الانقسام الفلسطيني، وهو ما قد ينسف أي مشروع لإقامة دولة فلسطينية مستقبلًا.

ولفت إلى أن السلطة مستبعدة حاليًا من المداولات العسكرية والمفاوضات غير المباشرة التي تديرها حماس والوسطاء الدوليون، لكنها ستعود بقوة في مرحلة إعادة الإعمار وإدارة الأمن الداخلي، خاصة مع دور مصر في تدريب قوات فلسطينية لتأمين القطاع وربطها إداريًا بالسلطة عبر المعابر.

أما عن خطاب حماس، فرأى عمر أنه يركّز على تبرير الماضي وتجميل صورة الانتصار، لكنه بعيد عن الواقع الفعلي. فالحركة – وفق رأيه – لن تستطيع تجاوز الإطار الوطني الجامع أو الالتزامات السابقة تجاه حلّ الدولتين، مهما حاولت فرض شرعية موازية. كما أن المجتمع الدولي، الذي بدأ يتحرك في اتجاهات أكثر وضوحًا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يفرض بدوره محددات جديدة على الخطاب الفلسطيني ويضع حماس أمام اختبار صعب بين الواقعية والشعبوية.

ويرى عمر أن التفاؤل الفلسطيني الراهن ليس سوى "تفاؤل اضطراري"، هدفه الحفاظ على الأمل في ظل واقع سياسي خانق، مؤكدًا أن أي تسوية مستقبلية ستتوقف على قدرة الفلسطينيين على تجاوز الانقسامات الداخلية وبناء مؤسسات تمثيلية موحدة.

ما بعد الهدنة.. معركة الخطاب والسياسة

وقف إطلاق النار في غزة محطة إنسانية لا بد منها، لكنه ليس بديلًا عن عملية سياسية شاملة تعيد بناء الشرعية الفلسطينية وتضع آليات واقعية لإدارة القطاع وحمايته. فالتصريحات والتحليلات التي عرضها ضيوف "دوت الخليج" تُظهر أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، بل انتقلت إلى مستوى آخر، حيث تتصارع الروايات والخطابات كما كانت تتصارع الصواريخ من قبل.

من الدعوة الأخلاقية إلى تجديد اللغة السياسية، مرورًا بالتشكيك في الضمانات الدولية، وصولًا إلى التحذيرات من خطر التهجير ومأزق التمثيل، يتضح أن المشهد الفلسطيني أمام مفترق طرق جديد. فإما أن يُستثمر وقف النار كفرصة لإعادة بناء القرار الوطني، أو يتحول إلى هدنة طويلة تُعيد إنتاج الانقسام والضعف.

وفي النهاية، يبقى جوهر المعركة اليوم ليس فيمن يملك السلاح، بل فيمن يملك الرواية القادرة على صياغة المستقبل. فبين صمت البنادق وضجيج الخطابات، يظل السلام في غزة فكرة تبحث عن لغة تصدّقها.

نرجو ان نكون قد وفقنا في نقل التفاصيل الكاملة الخاصة بخبر بعد الخروج من تحت الأنقاض.. هل دخلت غزة حرب السرديات؟ .. في رعاية الله وحفظة

أخبار متعلقة :