انتم الان تتابعون خبر ما دلالات خفض تصنيف فرنسا الائتماني على مستقبل أوروبا؟ من قسم اخبار العالم والان نترككم مع التفاصيل الكاملة
شهد محمد - ابوظبي في الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 10:20 صباحاً - لقد فقدت فرنسا، التي تُعتبر ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، تصنيفها الائتماني الممتاز لدى وكالتين رئيسيتين، وهو ما يضع ضغطاً فورياً على سنداتها الحكومية ويكشف عن تحديات هيكلية عميقة. وتشير الوكالة إلى أن عدم اليقين بشأن الميزانية يظل "مرتفعاً" بسبب ضعف حكومة الأقلية، مما يعيق تمرير الإصلاحات اللازمة لخفض العجز المتزايد.
إن هذه الخطوة تضع الاستقرار المالي لفرنسا على المحك، وتُذكّر بأن القوة الاقتصادية للدولة لم تعد بمفردها كافية لضمان تصنيف ائتماني مرتفع في عصر تتزايد فيه تكاليف الاقتراض وتنقسم فيه الساحة السياسية. إن التحدي الفرنسي هو نموذج يختبر قدرة الديمقراطيات الكبرى على توحيد الصفوف حول الانضباط المالي اللازم.
وفي ضوء هذه التطورات، يفرض الوضع الجديد مجموعة من التساؤلات المحورية التي تحدد مسار المستقبل الاقتصادي للقارة: ماذا يعني هذا التخفيض في التصنيف الائتماني لفرنسا بالنسبة لمستقبل منطقة اليورو ككل؟ وهل سيُجبر هذا الضغط المالي الجديد القادة الفرنسيين على البدء بتنفيذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة طالما تم تأجيلها؟ والأهم من ذلك، هل انتهت حقبة الاستقرار المالي للاقتصادات الكبرى التي عهدناها، لتبدأ مرحلة جديدة تتسم بمزيد من التدقيق والمساءلة؟
التحديات المالية وفقدان "درجة الأمان"
تؤكد البيانات الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني أن الثقة في الإدارة المالية لفرنسا قد تآكلت، وهو ما تجسد في قرار وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني. فبحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه دوت الخليج، تم خفض تصنيف فرنسا من AA- إلى A+ في خطوة غير مجدولة، مُرجعاً ذلك إلى أن "عدم اليقين بشأن الميزانية يظل مرتفعاً" على الرغم من تقديم مسودة ميزانية 2025.
وأوضح التقرير أن هذا التخفيض، الذي جاء في أعقاب تخفيضات سابقة من وكالتي فيتش وDBRS، يعني أن فرنسا قد فقدت تصنيف "double-A" لدى اثنتين من وكالات التقييم الرئيسية، ويُنظر إلى هذا التدهور على أنه مؤشر قوي، حيث يضع فرنسا الآن في نفس مستوى إسبانيا والبرتغال، مما قد يُجبر بعض الصناديق ذات المعايير الاستثمارية الصارمة للغاية على بيع سندات الدولة الفرنسية.
الارتباط الوثيق بين السياسي والمالي
وأظهر التقرير أن "الشكوك الائتمانية تنبع بشكل أساسي من الشلل السياسي. فالنص يشير إلى أن الحكومة الفرنسية، التي تحكم بأغلبية نسبية ضعيفة، تكافح لتمرير تشريعات تهدف إلى معالجة عبء الدين المتزايد. وكمثال على عمق الأزمة، فقد تعرضت الجمعية الوطنية لإقالة رئيسي وزراء سابقين بسبب خطط الميزانية، مما يعكس انقسام المجلس إلى مجموعات أقلية غير قابلة للتوفيق".
وقد اضطر رئيس الوزراء الحالي، سيباستيان لوكورنو، إلى تقديم تنازلات للحفاظ على منصبه، كان أبرزها تعليق إصلاح المعاشات التقاعدية الذي كان يهدف إليه الرئيس إيمانويل ماكرون لتعزيز المالية العامة.
هذه التنازلات، بحسب التقرير تحمل تكلفة مالية مباشرة، حيث ذكر لوكورنو أن تعليق إصلاح المعاشات حتى انتخابات 2027 سيكلف 400 مليون يورو في 2026 و1.8 مليار يورو في العام التالي، وهي مبالغ يجب تعويضها بمدخرات بدلاً من زيادة العجز.
تحدي ضبط الميزانية والمخاطر المستقبلية
وتظهر البيانات أن هناك فجوة واضحة بين التوقعات الحكومية وتوقعات وكالة التصنيف فيما يتعلق بمسار خفض العجز. فبينما يستهدف مشروع القانون الأولي خفض العجز إلى 4.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل (مقارنة بـ 5.4 بالمئة هذا العام)، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" أن يضيق العجز بشكل طفيف فقط ليصل إلى 5.3 بالمئة. هذا التباطؤ المتوقع في وتيرة الضبط المالي هو أحد الدوافع الرئيسية للتخفيض.
وتُرسل "ستاندرد آند بورز" تحذيراً واضحاً من أن التصنيف قد يُخفض مجدداً "إذا تدهور وضع الميزانية إلى ما هو أبعد من توقعاتنا أو ساءت آفاق النمو الاقتصادي بشكل كبير". والأمر يزداد تعقيداً مع تخلّي رئيس الوزراء عن استخدام المادة الدستورية 49.3 التي كانت تتيح للحكومات السابقة تمرير التشريعات المالية دون تصويت، مما يرفع من مستوى عدم اليقين حول قدرة المشرعين على الاتفاق على ميزانية 2026.
رد فعل الحكومة وتأثيره على السوق
وبين تقرير الوكالة الأميركية أنه يُفهم من ردود فعل المسؤولين الحكوميين أنهم ينظرون إلى التخفيض كـ "دعوة للجدية". حيث أكد وزير المالية رولان ليسكور التزام فرنسا بالوصول بالعجز إلى أقل من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، مشدداً على أن تمرير الميزانية الجديدة هو مسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان لإقناع المراقبين والأسواق.
وقد أدت حالة عدم اليقين هذه إلى نتائج ملموسة في الأسواق؛ فقد تسببت التحديات السياسية والمالية في ارتفاع تكاليف اقتراض فرنسا. حيث ارتفع الفارق بين عائدات السندات الفرنسية والألمانية لأجل 10 سنوات - وهو مقياس رئيسي للمخاطر - بشكل حاد، مما يعكس تزايد قلق السوق بشأن قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها المالية على المدى المتوسط.
التخفيض ليس أزمة بقد ما هو نداء تنبيه
في حديثه لموقع "اقتصاد دوت الخليج" قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي: "رغم تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني إلا أنه ليس أزمة بقدر ما هو نداء تنبيه، وقد يكون رمزاً لانتهاء عصر الاستقرار المالي المضمون في الاقتصادات الكبرى. ومع ذلك لا تزال فرنسا دولةً سياديةً آمنةً وكبيرة، ويعد تخفيض التصنيف الائتماني ملحوظًا ليس فقط كتعديل للتصنيفات، بل كمؤشر على استمرارية المخاطر المالية الهيكلية لفرنسا.
ورجح أن تزيد خطوة "ستاندرد آند بورز" المفاجئة من الضغط على فروق أسعار السندات الفرنسية. فإلى جانب رفع تكاليف الاقتراض وإضعاف مكانة فرنسا الاقتصادية، يُزعزع خفض التصنيف ثقة المستثمرين في منطقة تحتاج بالفعل إلى إصلاحات هيكلية أعمق لإنعاش الإنتاجية والنمو.
عوامل استندت عليها وكالة التصنيف
ويرى الدكتور الشناوي أن "ستاندرد آند بورز" اتخذت خطوة التخفيض هذه لعدة أسباب منها:
* ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالمعدلات في منطقة اليورو. في حين أن الاقتصاد الفرنسي كبير ولا يزال خط الأساس لتصنيفه الائتماني قوياً، تتوقع ستاندرد آند بورز أن ترتفع النسبة إلى أكثر من 120بالمئة بحلول عام 2028 في سيناريوها المركزي -وهو رقم مقلق لدولة ذات تصنيف ائتماني مرتفع.. وارتفاع العجز المالي المستمر، الذي بلغ بالفعل 114بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ومن المرجح أن يصل الدين العام إلى 132 بالمئة في عام 2034 بالإضافة الى عدم الاستقرار السياسي المزمن.
* تواضع آفاق النمو الاقتصادي: حيث أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2025 سيقترب من 1بالمئة، مما يحد من القاسم المشترك الذي يساعد على خفض نسب الدين من خلال التوسع في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.
* وجود مخاطر البيئة السياسية: حيث تجعل الإصلاحات الهيكلية اللازمة أكثر صعوبة في إقرارها. كما أن الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2027 "تثير الشك" على احتمالية حدوث إصلاحات تراكمية كبيرة.
ولكن ماذا يعني تخفيض التصنيف الائتماني لفرنسا وإلى أين يؤدي؟
يجيب الخبير الاقتصادي الشناوي على التساؤل بقوله: "التخفيض يعد جرس إنذار وإشارة سلبية للأسواق والمستثمرين، نظراً لأنه يعكس ارتفاع المخاطر المالية والاقتصادية، وارتفاع تكلفة الاقتراض وتراجع ثقة المستثمرين، حيث يحدث التأثير عبر قنوات تؤثر من خلالهما تغييرات التصنيف الائتماني على الاقتصاد الكلي: من خلال قناة فروق أسعار السندات السيادية وزيادة تكاليف الاقتراض وقناة انخفاض الاستثمار".
كما يتأثر توزيع نمو الناتج المحلي الإجمالي المستقبلي. فضلاً عن أن فروق أسعار السندات السيادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمخاطر تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي. مما يعني أهمية دمج التصنيفات الائتمانية السيادية في أطر شاملة لتقييم المخاطر، مثل مؤشر النمو المعرض للخطر، لتمكين صانعي السياسات من رصد المخاطر النظامية بفعالية أكبر، بحسب تعبيره.
إصلاحات مؤلمة
ورداً على سؤال فيما إذا كان تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني يجبر على إصلاحات اقتصادية مؤلمة قال الدكتور الشناوي: "قد تجد الحكومة الفرنسية نفسها أمام تخفيض التصنيف الائتماني مجبرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة ولكن ضرورية في ذات الوقت لاستعادة مستوى الثقة، نظراً لضعف الحكومة الفرنسية بعد تخفيض التصنيف الائتماني، ومثال ذلك ضرورة تخفيض تكاليف خدمة الدين بشكل تدريجي وتحسين بيئة الاعمال لاجتذاب استثمارات اجنبية جديدة".
وأضاف: "وقد تضطر فرنسا للقيام بإصلاحات مالية بهدف زيادة الإيرادات، عن طريق توسيع القاعدة الضريبية وتقليل الإعفاءات ومحاربة التهرب الضريبي. مع تقليص الإنفاق العام، خصوصاً في البنود الاجتماعية والإعانات. وهذا مؤلم سياسياً واجتماعياً، لأن فرنسا لديها واحدة من أعلى نسب الإنفاق الاجتماعي في أوروبا. وتنفيذ إصلاحات هيكلية في سوق العمل والإنتاج وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال، وإعادة هيكلة بعض القطاعات العامة كالكهرباء والنقل لرفع الكفاءة وتقليل الدعم".
وفي إجابته على سؤالنا.. بعد تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني هل انتهت حقبة الاستقرار المالي للاقتصادات الكبرى؟ قال الدكتور الشناوي: "ويمكن القول إننا أقرب الى الإجابة بنعم نسبياً حيث تبدو هناك هشاشة وغياب الاستقرار المالي في الاقتصادات الكبرى. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزها، تزايد التزامات الإنفاق طويلة الأمد، والشيخوخة السكانية في أوروبا واليابان، والتزامات الدفاع والإنفاق العسكري بعد حرب أوكرانيا، وارتفاع مستويات الدين العام بعد جائحة كوفيد-19. والانقسام السياسي وصعوبة تمرير الإصلاحات".
استقرار منطقة اليورو في خطر
بدوره، قال الخبير الاقتصادي مصطفى السيد في حديثه لموقع "اقتصاد دوت الخليج": "إن تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني إلى A+ يعكس حالة من عدم اليقين المالي والسياسي، مما يهدد استقرار منطقة اليورو بأكملها.
وأوضح أن فرنسا، بوصفها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، تشكل ركيزة أساسية في المنظومة الأوروبية، وبالتالي فإن أي اهتزاز في تصنيفها المالي ينعكس على تكاليف الاقتراض ويزيد من عبء الدين العام، حيث من المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة على السندات الفرنسية، ما قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.
وأشار السيد إلى أن هذا التطور قد يدفع الاتحاد الأوروبي نحو مرحلة جديدة من الإصلاحات المالية العميقة لتفادي أزمة ديون محتملة شبيهة بتلك التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي، الأمر الذي يزيد من الضغوط على الحكومات الأوروبية، وخصوصاً الحكومة الفرنسية، لاعتماد سياسات مالية أكثر انضباطاً.
وأكد أن تخفيض التصنيف الائتماني يمثل إنذاراً للحكومة الفرنسية بضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية مؤلمة تشمل تقليص النفقات العامة وضبط العجز المالي وربما رفع الضرائب. وأضاف أن إصلاحات مثل تعديل نظام التقاعد أصبحت حتمية لضمان استدامة المالية العامة، غير أن الانقسامات السياسية داخل البرلمان الفرنسي قد تعيق تنفيذ هذه الإصلاحات وتزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
الرياح السياسية تعاكس الرياح الاقتصادية
ولفت السيد إلى أن التحديات لا تقتصر على الداخل الفرنسي فقط، إذ يمكن أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على السلع الفرنسية إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد الفرنسي، مضيفاً أن هذا الاقتصاد الذي كان يتفوق في الأداء على متوسط منطقة اليورو خلال السنوات الماضية، أصبح الآن الأضعف بين الاقتصادات الكبرى في الاتحاد، مع توقعات نمو لا تتجاوز 0.6 بالمئة في عام 2025، مقارنة بـ 1.4بالمئة في باقي دول منطقة اليورو.
واختتم السيد تصريحه بالقول: "إن الرياح السياسية تعاكس الرياح الاقتصادية في فرنسا، ما يجعل من الصعب على باريس استعادة مكانتها كقاطرة للنمو الأوروبي في المدى المنظور"، مشيراً إلى أن هذه التطورات قد تكون بداية لنهاية حقبة الاستقرار المالي في الاقتصادات الكبرى داخل منطقة اليورو.
نرجو ان نكون قد وفقنا في نقل التفاصيل الكاملة الخاصة بخبر ما دلالات خفض تصنيف فرنسا الائتماني على مستقبل أوروبا؟ .. في رعاية الله وحفظة
أخبار متعلقة :