رامي المتولي يكتب: 11 فيلمًا مصريًا في الجونة 8: بين الطموح الفني والحضور التجاري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر رامي المتولي يكتب: 11 فيلمًا مصريًا في الجونة 8: بين الطموح الفني والحضور التجاري في المقال التالي

أحمد جودة - القاهرة - 11 فيلمًا هو مجموع الأفلام المصرية التي شاركت في مختلف مسابقات وأقسام الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي الدولي، والتي انتهت فعالياتها منذ أيام قليلة، هذا بخلاف فيلمين عرضا ضمن برامج خاصة؛ أولهما "إسكندرية كمان وكمان" للمخرج يوسف شاهين ضمن البرنامج المعنون "مئوية يوسف شاهين: الأب الروحي لموجة جديدة في السينما"، والثاني هو "يا مهلبية يا" للمخرج شريف عرفة، ضمن برنامج العروض الخاصة.


وبعيدًا عن أهمية كلا الفيلمين الكبيرة في السينما المصرية وتاريخها، وبعيدًا عن عنوان برنامج الاحتفاء بالمخرج الكبير يوسف شاهين، كل البعد عن الحقيقة؛ فهو لم يكن رائدًا ولم يؤسس لموجة جديدة في السينما قدر ما كانت مسيرته وأفلامه وشخصه ملهمين جدًا لعشرات من صناع السينما ممن عاصروه ومن جاءوا بعده، وكان لكل منهم أسلوبه الخاص وأصبحوا بحق متفردين كما تفرد يوسف شاهين.


هذا العدد، الذي يضم أربعة أفلام قصيرة، بخلاف الأفلام المصرية المقرر عرضها في عدة مهرجانات قادمة أخرى، يؤكد أن صناعة الأفلام الطويلة والقصيرة، بشقيها الروائي والوثائقي في عام 2025، أمر يدعو للتأمل والبناء على ما تم إنجازه من أفلام متنوعة خرجت من دائرة صناعة الأفلام ذات الصبغة التجارية المغازلة لشباك التذاكر فقط، والتي ظلت مسيطرة على المشهد السينمائي في السنوات الماضية.
 

"كولونيا" و"المستعمرة".. طموح عالٍ يضيع بين الجرأة المفقودة والتكرار
 

المسابقة الرسمية للأفلام الروائية ضمت في منافساتها فيلمين؛ هما "كولونيا" للمخرج محمد صيام، الذي فاز بطله أحمد مالك بجائزة أفضل ممثل، والثاني هو "المستعمرة" للمخرج محمد رشاد والحائز على جائزة نجمة الجونة البرونزية، وكلا الفيلمين ينتميان لفئة "أفلام المهرجانات" حسب التعبير الدارج؛ فهي أفلام لا تغازل شباك التذاكر، مصنوعة على قدر كبير من الاهتمام بجودة العناصر الفنية وإعلاء قيمة اللغة السينمائية.


لكن في الحقيقة، إن كلا الفيلمين لا يقدران على المنافسة بطبيعة الحال في شباك التذاكر، فلا توجد فيهما أي عوامل جذب لجمهور له ذائقته الخاصة، والفوارق الفنية بينهما وبين عدد من أفلام المسابقة لن تجعلهما يصمدان أمامها. ففي الأول تميز أحمد مالك وميان السيد في الأداء التمثيلي، وقد جسدا شخصياتهما في الفيلم معبرين عن أدق تفاصيلها، وهو ما لم يحدث مع باقي أبطال الفيلم على الرغم من الموهبة والقدرات الكبيرة والخبرة المعروفة عنهم، وبالطبع المقصودون هم الثلاثي كامل الباشا وعابد عناني ودنيا ماهر.


ففي الوقت الذي احتلت فيه شخصية الأب مساحة كبيرة في الفيلم، جاءت كحال الفيلم كله مذبذبة وتائهة ولا تملك الجرأة للاشتباك مع القضايا الرئيسية في الفيلم، فلا نفهم هل المشكلة في مثلية الأب أم خيانة الأم أم كليهما؟ ولم تحظَ دنيا ماهر بمساحة كافية لإظهار الأبعاد الدرامية لشخصيتها التي كانت في الأصل لرجل يدعى ماجد قبل أن يعبر جنسيًا لامرأة تدعى ماجدة، وهي التي رأيناها في الفيلم. ونفس الحال مع شخصية الأخ التي قدمها عابد عناني، والتي كانت "مخنوقة" بقلة عدد المشاهد وعدم رسمها جيدًا ليتفاعل المشاهدون معها.
 

وبدلًا من التركيز على هذا الثراء الدرامي الواضح في الفيلم، تاه المخرج بين العديد من التكرار لحوارات جانبية فارغة فقدت أهميتها بكثرة إعادتها وسطحيتها، بعد أن رفض أن يخوض في تفاصيلها. وسقط في تمديد يوم وليلة و"الصباح الذي يليهما" مرّا وكأنهما دهر.
 

ضاعف من هذا الشعور تصميم الإنتاج الضعيف للفيلم وعدم مراعاة عامل الوقت؛ فلم يكن الزمن منضبطًا، وخلال الليل ظللنا نشعر أننا في أول الليل ونذهب لآخره ونعود لأوله. كما كان هناك خلط بين مشاهد لأماكن في القاهرة معروفة ومشهورة كمتجر العائلة الواقع في شارع عبد الخالق ثروت بوسط البلد في القاهرة بينما العائلة مستقرة في الإسماعيلية، مما أضعف التفاعل مع المشاهد الخارجية لكثرة التنقل بين القاهرة والإسكندرية.
 

يحسب للمخرج الرغبة في الاشتباك مع قضايا أسرية شائكة تتناسب مع الوقت الحالي، لكن لا يحسب له بالتأكيد أنه بعد التمهيد لها تراجع، ربما لرقابة ذاتية منه أو اعتراضات رقابية لا يمكن الجزم بأيهما على وجه الدقة والتحديد. لكن الواضح والمؤكد هو عدم قدرة المخرج على التعامل مع ما أراد الاشتباك معه، فمثل هذه القضايا الحساسة تتطلب خبرة ورؤية ذكية تعمل بمشرط جراح يقطع ولا يؤذي، لكنه لم يكن عنده القدرة على إظهارها ودفع المشاهدين للاشتباك معها كما يجب.
 

الفيلم المصري الثاني في المسابقة لم يكن أفضل حالًا من شريكه في المنافسة، فالأجواء القاتمة شديدة السواد فرضت جوًا مقبضًا على الفيلم الذي لا تحمل شخصياته أو أحداثه أي جاذبية ممكنة، على العكس نظل ندور بلا إجابات أو خاتمة مرضية، والوضع هنا لا يقتصر فقط على النهاية المفتوحة، فهذا الخيار محبب وجريء ويجري استخدامه طوال الوقت من صناع الأفلام، لكن في حالة "المستعمرة"، فهي ليست نهاية مفتوحة بل إثارة وتشويق بلا هدف معطوفًا على قصة عائلة تشبه في تفاصيلها الكثيرين في الواقع وتم استخدامها بعشرات الصور في الأعمال الفنية سابقًا، وعليه لا يقدم الفيلم أي جديد أو متفوق إلا على مستوى الصورة.
 

محاولة خلق عوالم خاصة والتركيز على الرؤية البصرية بشكل متفوق فنيًا تكررت في أكثر من فيلم طويل وقصير خلال العامين الماضيين، بالشكل الذي يجعل هذه الأعمال وكأنها محاولة للسير على خطى فيلم "ريش" لعمر الزهيري، والذي واجه انتقادات حادة بعد عرضه في نفس المهرجان قبل ثلاثة أعوام.
 

وعلى الرغم من تعرضه للكثير من المشاكل والعقبات والآراء السلبية، إلا أنه نجح في اختراق كل هذا وحظي بتقدير فني كبير، وذلك يرجع لنجاح زهيري بشكل كامل في صناعة ملامح مميزة وأصيلة بصورته السينمائية وتصميم الإنتاج، حيث صنع عالمًا خاصًا بالفيلم، وهو الأمر الذي يحسب له على الرغم من القتامة والأجواء المقبضة التي صاحبت فيلمه. وعلى نفس المستوى القضايا التي اشتبك معها وتعامل معها بشكل ذكي، وعلى عكس من يحاولون الدخول إلى نفس المساحة ولا يوفقون.
 

حظًا أفضل في مسابقة الأفلام الوثائقية
 

الحال كان أفضل في مسابقة الأفلام الوثائقية والتي ضمت في منافساتها أيضًا فيلمين مصريين هما "50 متر" ليمنى خطاب و"الحياة بعد سهام" لنمير عبد المسيح، الذي فاز بنجمة الجونة الفضية كأفضل فيلم وثائقي، كما حصد جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي.
 

وبالتأكيد هذه جوائز يستحقها الفيلم وسط المنافسة القوية خاصة وأنه يسير على نفس الأسلوبية التي يتبعها نمير عبد المسيح، وهي إشراك المشاهدين بشكل عاطفي في القضايا والمشاعر التي يشعر بها ويطرحها على المشاهدين ليتفاعلوا معها بدورهم، وهي بالطبع نفس المساحة التي حاولت يمنى خطاب أن تصنعها في فيلم "50 متر"، فهي أيضًا تتعرض لعلاقة شخصية ومقربة مع والدها، لكنها في الحقيقة لم تكن بنفس الألق والتفوق الفني مقارنة بفيلم "الحياة بعد سهام"، حيث وقعت في نفس المأزق الذي وقع فيه مخرج فيلم "كولونيا" فيما يتعلق بزمن الفيلم، بعد أن وصل الشعور المطلوب في بداية الفيلم، وأصبح كل ما يليه هو تحصيل حاصل، الأمر الذي أفقده بريقه خاصة وأن هناك الكثير من الأفلام تعرضت لنفس المساحة وهي إعادة اكتشاف العلاقة بين الابنة والأب، وكثيرًا منها خرج من المساحة الشخصية للعامة مما منحها بعدًا عميقًا كما الحال مع أفلام "هدية من الماضي" لكوثر يونس و"أبو زعبل 89" لبسام مرتضى.


تنوع كبير حرص عليه "الجونة" في الاختيار الرسمي خارج المسابقة
 

في قسم الاختيار الرسمي خارج المسابقة عرضت ثلاثة أفلام مصرية لديها صبغة تجارية واضحة دون الإخلال بالصبغة الفنية في صناعتها، وهي "السادة الأفاضل" للمخرج كريم الشناوي، الذي انطلقت عروضه التجارية بعد عرضه في المهرجان، والثاني "لنا في الخيال.. حب؟" للمخرجة سارة رزيق، والأخير "هابي بيرثداي" للمخرجة سارة جوهر، وهو ترشيح مصر الرسمي لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي.


عودة إلى نقطة التنوع، وعلى الرغم من التفاوت الشديد في القيمة الفنية للأفلام السبعة الطويلة، فيحسب لمهرجان الجونة في دورته الثامنة السعي إلى التنوع واختيار أفلام لتغطية أقسامه ومسابقاته المختلفة، حتى أن العدد الأكبر من هذه الأفلام هو العمل الأول لصناعها وبعضهم حظي بالدعم المالي من منصة دعم الصناعة "سيني جونة"، وأيضًا الاهتمام بالمخرجات الشابات وهي أشكال من الدعم المعنوي التي تتوازى مع الدعم المادي، خاصة أن فيلمًا مثل "ولنا في الخيال.. حب؟" هو تجربة مختلفة تمامًا تحمل ذائقة مختلفة ربما لا تتناسب مع شرائح عديدة من الجمهور، وجمهوره المستهدف ربما لا يكون قطاعًا عريضًا، لكن عرضه في المهرجان بالتأكيد هو نوع من أنواع الدعم للمخرجة الشابة صاحبة الموهبة الصاعدة.

أخبار متعلقة :