نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر كيف حققت جامعة حلوان قفزتها التاريخية.. الدكتور عماد أبو الدهب يجيب في حوار خاص لـ'دوت الخليج'" في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - تأتي قصة جامعة حلوان المصرية، ومن بين القصص الملهمة التي استطاعت أن تحفر اسمها بحروف من نور في سجل الإنجازات العالمية، محققة قفزة تاريخية مذهلة بلغت 381 مركزًا في تصنيف "QS" للاستدامة للعام الحالي وسط عالم تتصارع فيه المؤسسات الأكاديمية لتحقيق المراكز المتقدمة ضمن التصنيفات الدولية.
هذا الإنجاز الاستثنائي لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة جهد تراكمي مخطط له بذكاء وإصرار، يقوده رجال ونساء آمنوا بقدرة العلم على صنع الفارق وخدمة المجتمع. للوقوف على خلفية هذه القفزة وكشف الأسرار الكامنة وراء هذا الأداء المتسارع، كان لموقع "دوت الخليج" هذا الحوار الخاص مع الدكتور عماد أبو الدهب، نائب رئيس جامعة حلوان لشؤون الدراسات العليا والبحوث، الرجل الذي يعد أحد أهم الأطراف الرئيسية في قيادة هذه المسيرة المباركة.
في هذا الحوار الشامل، يستعرض الدكتور أبو الدهب الركائز الاستراتيجية، والخطط التنفيذية، وآليات كسر الحواجز الأكاديمية، ونماذج مشرقة للتأثير المجتمعي، ورؤية مستقبلية طموحة لضمان استدامة هذا التميز، في حديث شائق يفتح نافذة مشرقة على نموذج جامعي مصري يسابق الزمن نحو العالمية بخطى ثابتة وواثقة.
"دكتور عمادة، تحقيق جامعة حلوان قفزة بـ 381 مركزًا في تصنيف الـ QS للاستدامة هو إنجاز استثنائي. في رأيكم، ما هي الركائز الاستراتيجية الأساسية التي اعتمدت عليها الجامعة لتحقيق هذا التسارع الملحوظ في الأداء، وكيف تم ترجمة هذه الركائز إلى خطط عمل تنفيذية على الأرض؟"
في الحقيقة، هذه القفزة تأتي نتيجة لاستراتيجية متكاملة تمتلكها الجامعة في مجال التأثير المجتمعي.
عندنا في الجامعة، عدد الطلاب البنات يقارب عدد الطلاب الولاد، بل وقد يكون عدد البنات أكثر قليلًا، وهذا يوضح تمامًا أننا نمتلك تمكينًا حقيقيًا للمرأة داخل الحرم الجامعي.
وقد تم ترجمة هذه الركائز بشكل عملي من خلال المكاسب التي تم تحقيقها، وعن طريق إقامة الندوات وورش العمل في كل المجالات المتاحة لدينا. بالإضافة إلى ذلك، لدينا كم هائل من البحوث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع. كما نمتلك وحدات مجتمعية كبيرة جدًا، ومن أهم هذه الوحدات على الإطلاق "وحدة مناهضة العنف" الموجودة داخل الجامعة.
"يبرز تصنيف التايمز للعلوم البينية مكانة الجامعة في مجال البحث متعدد التخصصات. كيف تنجح إدارة الجامعة في كسر الحواجز التقليدية بين الكليات، وتفعيل نموذج حقيقي للبحث التعاوني يدمج، على سبيل المثال، التقنيين مع الفنانين والأطباء مع المهندسين، لخلق معرفة جديدة تواكب متطلبات العصر؟"
وضع جامعة حلوان في تصنيف التايمز يؤكد أمرًا في غاية الأهمية، وهو أننا استطعنا أن نكسر الجمود الأكاديمي التقليدي، الذي كان يعتمد على الأبحاث المنفردة.
هذه الأبحاث المنفردة غالبًا ما يكون تأثيرها أو "الإمباكت" الخاص بها محدودًا، خاصة على المجتمع. لقد استطعنا بالفعل أن نؤسس لوجود أبحاث متعددة التخصصات. والجامعة، بطاقمها وخاصة قطاع الدراسات العليا، يحفز بشكل محدد هذا النوع من النشر العلمي متعدد التخصصات.
وعندنا أيضًا مكافأة مالية للنشر في البحوث متعددة التخصصات، أو ما نطلق عليها اسم البحوث البينية، حيث تكون مكافأتها المالية أكبر بكثير من مكافأة البحوث العادية. هذه هي الآلية الثانية المهمة الموجودة لدينا.
"جزء كبير من تقييم الاستدامة يرتكز على 'التأثير الاجتماعي'. هل يمكن أن نستمع إلى قصة نجاح محددة لمشروع أو بحث علمي من جامعة حلوان، تجسّد هذا الربط بين المنظور الأكاديمي وتطبيقه على أرض الواقع، وكان له أثر ملموس في حل تحدي مجتمعي أو بيئي؟"
بالنسبة للتأثير المجتمعي، هذا يظهر من خلال قيامنا بالبحوث العلمية الموجهة للبيئة والطاقة. هذه البحوث العلمية تهدف إلى خدمة قطاعي البيئة والطاقة، وهي بالطبع تركز على الطاقة النظيفة.
نحن نعمل على تطوير استخدام الطاقة الشمسية في توليد الطاقة. وفي الحقيقة، لدينا في الجامعة عدد من البحوث في هذا المجال.
والفوائد من هذه المشاريع واضحة: فهي يجب أن تعمل بكفاءة عالية حتى نستطيع من خلالها خدمة المجتمع، وكذلك لتقليل البصمة الكربونية. هذه كلها تمثل تحديات بيئية، لكننا نملك في جامعة حلوان بحوثًا مهمة جدًا، حتى في مجال الهيدروجين. عندنا أيضًا عدة بحوث مهمة أخرى، وكلها في النهاية تقدم خدمة للبيئة والمجتمع.
السؤال الرابع: "كمسؤول عن ملف البحث العلمي، ما هي السياسات والحوافز الملموسة التي تم وضعها لتشجيع أعضاء هيئة التدريس والباحثين على توجيه أبحاثهم نحو قضايا الاستدامة والابتكار، وكيف يتم قياس تأثير هذه السياسات على مخرجات البحث العلمي وجودته؟"
أما بالنسبة للسؤال الرابع، فإن قطاع الدراسات العليا يهتم بشكل كبير بمخرجات البحث العلمي الموجهة نحو الابتكار والاستدامة.
في الحقيقة، نحن نمتلك نظام حوافز يعتبر مهمًا جدًا في هذه الجزئية، سواء كان ذلك من خلال الحوافز المالية على النشر الدولي، أو من خلال دعم المشروعات البحثية.
أحيانًا، وفي سنوات معينة، نطلق مشروعات بحثية ممولة من خلال صندوق البحث العلمي التابع للجامعة.
وهذه المشروعات يكون هدفها الأساسي هو خدمة البيئة وخدمة المجتمع، وعادة ما تحتوي على جزء خاص بالابتكار والاستدامة.
كما أن الجامعة تقدم مكافآت مالية عالية جدًا للباحثين الذين ينشرون في المجلات الدولية المصنفة ضمن قواعد "سكوبس" و"كلاريفيت" والتي نسميها "الكيوان" و"الكيوتو".
بالإضافة إلى ذلك، في مجال براءات الاختراع، فإن الجامعة تتكفل بتكاليفها وتقدم مبلغًا ماليًا مجزيًا للمخترع. كل هذه الآليات تضمن توجيه مخرجات البحث العلمي نحو الابتكار والاستدامة.
"السؤال الأهم سعادة الدكتور: كيف تضمن الجامعة استدامة هذا التميز نفسه؟ ما هي الآليات التي يتم بناؤها اليوم لضمان أن يكون هذا الإنجاز ليس ذروة يُحتفى بها، بل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التقدم المستمر في الخريطة الأكاديمية العالمية؟"
بالنسبة لضمان استدامة التميز، فإننا نرتكز على ثلاث ركائز إستراتيجية مهمة جدًا:
أولًا، لدينا خطة شاملة للجامعة، ثم خطة بحثية، وبعد ذلك خطة للاستدامة. الخطة الشاملة هي الاستراتيجية العامة لجامعة حلوان، والتي نضعها لمدة خمس سنوات. وفي الحقيقة، نحن نحاول كل سنة أن نجدد فيها أي شيء يحتاج للتطوير، وذلك من خلال عمليات القياس والتحليل الدورية التي نقوم بها.
ثانيًا، لدينا خطة بحثية للأبحاث التي ستنفذ في الجامعة على مدار الخمس سنوات القادمة. هذه الخطة تهتم بشدة بأن تكون الأبحاث "تطبيقية"، أي أنها أبحاث مهمة وليست نظرية فحسب، وتقدم خدمة حقيقية لقطاعي البيئة والمجتمع.
ثالثًا، لدينا خطة استدامة تغطي كل الأنشطة في الجامعة. نحن نعمل على تحويل أي مبادرة ناجحة نقوم بها إلى "كيان" دائم داخل هيكل الجامعة.
فعندنا في جامعة حلوان عدة كيانات استراتيجية نعتمد عليها في جميع التصنيفات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، نقوم بعمل شيء مهم جدًا، وهو إجراء ما نسميه بالقياس والتحليل بشكل دوري. نحن ندرس التحليلات لنرى موقعنا الحالي وأين يجب أن نحدث التغيير. إذا كنا نسير ببطء في مجال ما، فإننا نسرع الخطى فيه.
وإذا كان هناك بحث ما لا يخدم المجتمع بشكل كاف، فإننا نعمل على استبداله أو إيجاد بديل له يخدم المجتمع بشكل أفضل. وهذا يتم من خلال بحوث منشورة، أو من خلال كيان قائم، أو من خلال خطة معدة مسبقًا. هذه هي آلياتنا لضمان الاستدامة.
في الختام، يخرج القارئ لهذا الحوار بانطباع قوي بأن جامعة حلوان لم تصل إلى هذه المكانة العالمية المحترمة بمحض الصدفة، بل من خلال رحلة شاقة من التخطيط الاستراتيجي المحكم، والرؤية الثاقبة التي تقودها إدارة واعية ممثلة في أمثال الدكتور عماد أبو الدهب.
لقد نجحت الجامعة في تحويل التحديات إلى فرص، وترجمة الشعارات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، حيث أصبحت الاستدامة والبحث المتعدد التخصصات والتأثير المجتمعي جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الثقافي والأكاديمي.
الآليات الثلاث التي أشار إليها الدكتور أبو الدهب – الخطط الاستراتيجية الشاملة، والخطط البحثية التطبيقية، وخطة الاستدامة المؤسسية – تشكل معًا هيكلًا متينًا يضمن عدم توقف مسيرة التميز عند حد الإنجاز الحالي، بل يجعله نقطة انطلاق حقيقية نحو آفاق أرحب. إن التزام الجامعة بالقياس والتحليل الدوري، وتحويل المبادرات الناجحة إلى كيانات دائمة، يؤكد سعيها الدؤوب لبناء نموذج تعليمي وبحثي رائد لا يقتصر على المنافسة فحسب، بل على الريادة والابتكار المستمر.
إنها رسالة أمل وثقة تبعثها جامعة حلوان إلى المجتمع الأكاديمي المصري كله، مفادها أن التخطيط العلمي، والإرادة القوية، والرؤية الواضحة، هي الأسلحة الحقيقية لمواجهة تحديات العصر وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة
أخبار متعلقة :