القاهرة - محمد ابراهيم - اقدم قطعة عاج من فرس النهر تستكشفها جامعة برشلونة
جامعة برشلونة تكشف عن اكتشاف تاريخي
في إنجاز علمي جديد يغير من فهمنا لتاريخ العصر النحاسي في أوروبا، أعلن باحثون من جامعة برشلونة ضمن فريق دراسات ما قبل التاريخ (SERP) عن العثور على أقدم قطعة أثرية مصنوعة من عاج فرس النهر في شبه الجزيرة الأيبيرية. عُثر على هذه القطعة في موقع بوبيلا مادوريل بمدينة سانت كويرز ديل فاليس ببرشلونة، ويعود تاريخها إلى الربع الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد.
هذا الاكتشاف المثير نُشر في مجلة تقارير العلوم الأثرية (Journal of Archaeological Science Reports) بعد دراسة دقيقة أثبتت أن القطعة مصنوعة بالفعل من عاج فرس النهر، ما يفتح الباب أمام إعادة النظر في طرق التجارة والعلاقات الثقافية في حوض البحر الأبيض المتوسط خلال تلك الحقبة.
القطعة الأثرية بين الحفريات والمتاحف
تعود قصة هذا الاكتشاف إلى عام 1977، حين تم العثور على الجسم الأثري خلال حفريات أثرية قديمة في الموقع. ومنذ ذلك الوقت أُودع في متحف ساباديل للتاريخ حيث ظل محفوظًا لسنوات. لكن بفضل التكنولوجيا الحديثة، تمكن فريق من جامعة بافالو بالتعاون مع جامعة برشلونة من إعادة تحليل القطعة عبر التصنيف الأثري وتقنيات الكربون المشع، ليكشفوا أنها ليست من عاج الفيلة كما كان يعتقد، بل من عاج فرس النهر، وهو ما يعد اكتشافًا غير مسبوق في المنطقة.
شبكات التبادل التجاري القديمة
أهمية الاكتشاف لا تكمن فقط في قدم القطعة، بل في الدلالات التاريخية التي يحملها. إذ لم يكن فرس النهر موجودًا في البحر الأبيض المتوسط في تلك الحقبة، ما يعني أن وصول عاجه إلى شبه الجزيرة الأيبيرية لم يكن ممكنًا إلا عبر شبكات تبادل طويلة المدى.
ويرجح الباحثون أن العاج قد وصل من الساحل الشرقي للبحر المتوسط مرورًا بـ شمال إفريقيا قبل أن يتم تداوله في الأيبيرية. هذه الفرضية تتعزز بالاكتشافات المشابهة التي عُثر عليها في الأندلس، والتي تؤكد أن الطريق الجنوبي كان ممرًا أساسيًا لتبادل المواد النادرة مثل عاج الفيلة والأحجار الكريمة.
أثر الاكتشاف على فهم العصر النحاسي
هذا الاكتشاف يسلط الضوء على التعقيد الاجتماعي والاقتصادي لشعوب شبه الجزيرة الأيبيرية في العصر النحاسي. فقد لعبت المواد النادرة مثل العاج دورًا رمزيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث ارتبطت بالطقوس الدينية ومظاهر المكانة الاجتماعية.
ويؤكد الباحثون أن مثل هذه الاكتشافات تُظهر أن سكان الأيبيرية لم يكونوا معزولين، بل كانوا جزءًا من شبكة أوسع للتبادل والتأثيرات الثقافية، تمتد عبر البحر الأبيض المتوسط إلى شمال إفريقيا وربما إلى الشرق الأدنى.
أهمية علمية وتاريخية
يمثل هذا الكشف إضافة جديدة إلى سجل الاكتشافات الأثرية التي تعيد تشكيل فهمنا لتاريخ البشرية. فهو لا يوضح فقط مسارات التجارة القديمة، بل يبرز أيضًا التطور الحضاري المبكر في أوروبا الغربية، ويؤكد أن شبه الجزيرة الأيبيرية كانت محورًا مهمًا في حركة التبادل بين القارات خلال عصور ما قبل التاريخ.