القاهرة - محمد ابراهيم - أقيمت الأمسية الثانية ضمن ندوات الدورة الأولى من «مهرجان القاهرة لمسرح العرائس» في قاعة ثروت عكاشة بأكاديمية الفنون.
وادارها الناقد جرجس شكري والذي رحب بضيوف المنصة وجميع الحضور ثم انطلق المحور الأول بالمتابعات النقدية والتي تحدثت فيه النقادة منار خالد عن ثلاثة عروض هم: «خيال» و«متوالية متلازمة سليم» وعرض «من وحي التراث المصري».
اما المحور الثاني فتحدث به فنان العرائس عبد الحميد حسني وهو صانع ومحرك للعرائس، والذي عبر عن سعادته بوجوده مع قامة فنية عظيمة خاصة له وهو الدكتور جمال الموجي والمهداة باسمه الدورة الأولى من المهرجان.
وتناول حسني علاقته بالعروسة، فيجب على الفنان ان يكون محبا لها لكي يستطيع اخراج كل ما يحلم به منها، فقط لو آمن إنه ا عنصر هام في هذا العمل الفني، والاساس هو النص أو الفكرة وهل يصلح للطفل ام لا؟ وهل يصلح لمسرح العرائس ام لا؟ وكذلك يجب ان يكون المخرج على دراية بالنوع المناسب لهذه الفكرة، لان عالم العرائس هو علم يمكن من خلاله توجيه فكرة معينة سواء للطفل أو لأي متلقي.
وأضاف حسني إنه بعد المؤلف والمخرج سنصل لمرحلة مصمم العروسة والديكور وبالتالي سيكتمل مسرح العرائس، والفكرة يمكن تنفيذها مثلا باستخدام نوعية «خيال الظل» مع عناصر الشاشة والاضاءة والعروسة ممكن يتم تنفيذها من الجلد أو الخشب ويتم تحريكها من اعلى أو من أسفل، ومن المناقشات الجماعية نتوصل للشكل المناسب.
وأشار حسني إلى ان عرائس المسرح تختلف في حركة الأداء عن حركة عرائس التلفزيون لأنه مكون من أربعة اركان فقط وبيتم فيها استخدام عرائس القفاز، وفي المسرح تلوين العروسة شيء ضروري وتكون مهمة اختياره مشتركة بين مصمم العرائس ومصمم الديكور والازياء.
واستعرض حسني أنواع العرائس من: الماريونت وخيال الظل والعصا، والعرائس العملاقة أو الماسكات، وعرائس المائدة أو المنضدة، وعرائس الميكانو أو الميكانيكية أو الكهربائية، وعرائس الأصابع.
وكذلك المسرح المائي وذكر حسني تجربته فيه حيث كان لدكتورة مي مهاب نائب مدير المهرجان الفضل في استقدام هذا الفن لمصر، وهو شارك معهم في اول عرض مصري سافر إلى فيتنام والتي تمتلك جمهور محب بشكل كبير لهذا الفن وكانوا يقفون بالطوابير من اجل مشاهدة العروض ومنهم العرض المصري ايزيس واوزوريس.
وتذكر حسني والده الفنان الراحل حسني عبد الحميد الذي كان الداعم له مع دكتور جمال الموجي الذي كان مثل اعلى له ايضا، وكشف حسني إنه من اسرة فنية فأخيه عزت حسني فنان تشكيلي متخصص في القفاز وأخيه رحمي حسني كذلك، وشبه والده بالصنايعي أو الساعاتي الماهر الذي يصنع ويحرك ويركب كل ترس في مكانه داخل الساعة (العروسة).
وروى الفنان عبد الحميد حسني إنه اثناء زيارة كان هناك فنان إسكتلندي يدعى «براند» ومعه تصميم جديد لعروسة ودكتور جمال الموجي كان قد صنعها بالفعل قبل عشرين عاما في المخزن اسمها «فوكس» وتم استخدامها في عرض «80 يوم حول العالم» واستطعنا تنفيذها بنفس الميكانيزم وحين رآها أعجب بها كثيرا مما يعكس قدرتنا في فن العرائس.
وفي فقرة محور الكتب والمكرمون تحدث الدكتور حسن الحلوجي مؤلف كتاب «أصابع الخيال» عن مضمون كتابه والذي تكلم فيه عن رموز مسرح العرائس وكأنه تأريخ انساني وسيرة ذاتية لهم واكتشافه ان مسرح العرائس هو اسرة واحدة تحتوي علاقات إنسانية.
وخلال جولته بين رموز هذا الفن كتب الحلوجي عن تاريخهم المهني والإنساني والسيرة الذاتية للفنان والعروسة والعروض التي شاركوا به وارتباطهم بها لدرجة ان الأستاذة فوزية عبد اللطيف أطلق عليها ام العروسة لأنها في أحد العروض كان لديها عروسة اسمها «نانا» على اسم ابنتها في الحقيقة، وشخصية الزمار والطبال والتي قامت بتحريكه لأول مرة 1960 وبالتالي فكل عروسة ورائها حكاية.
وذكر الحلوجي ماذا فعل الفنان رفعت الشربيني في عرض «حمار شهاب الدين» وصناعته من خشب الحور ونحت منه الشخصيات، وتعاون معه الفنان ناجي شاكر حينما كان في بعثة لألمانيا وكلف بالعرض وهو هناك فصنع معه زميله الألماني اثنين من عرائس العرض وجلبهم معه وهو عائد لمصر وهذا العرض خرج للنور في اقل من ستة أشهر وفاز بجائزة، وأضاف الحلوجي ان الفنان فكري امين كان متخصص في تحريك شخصية شهاب الدين والمعروضة في معرض المهرجان حاليا.
واختتمت الأمسية بحديث الفنان الكبير جمال الموجي، والذي عبر عن سعادته البالغة بالتكريم واهداء الدورة الاولى من مهرجان العرائس لاسمه، وتمنى من جيل المستقبل استكمال مسيرة المهرجان وان يطوروا به وان تهتم الدولة اكثر بهذا الفن بعد اهماله الفترة الماضية.
واستنكر الموجي مسمى محرك العرائس فمن وجهة نظره لا يوجد شيء اسمه تحريك في فن العرائس، ولكنه ممثل ينفعل وينقل احساسه لهذه العروسة.
وأوصى الموجي لجنة مشاهدة عروض المهرجان بأن تكون لديها الصلاحية في مناقشة مخرجين العروض المقدمة لتلافي أي قصور ممكن تكون في العروض قبل تقديمها داخل المهرجان.
وعاد الموجي لفترة طفولته وحلمه ان يكون ممثلا وكانت هوايته هي الفن التشكيلي والعزف، وإنه كان يعيش بين منطقة المغربلين والسيدة زينب، وكان يرى باستمرار الرسامين يجلسون في هذه المناطق لرسمها فاصبح واعي فنيا منذ الصغر ونشأت علاقة بينه وبين العرائس مع مشاهدة الاراجوز قبل انشاء مسرح العرائس حيث كان هناك حاوي يدعى «عم نعمان» يقدم عرضا بالصباح في الشارع ويقوم الناس بتكتيفه وربطه وهو يعمل على فك نفسه دون مساعدة، وبعد الظهر كان يقدم عروض أراجوز وخيال ظل في محل خاص به على ناصية الحارة وكان يأخذ تعريفة كتذكرة من كل طفل يدخل لمشاهدة العرض.
وأضاف الموجي انا فكرت في العمل مع هذا الحاوي بدلا من دفع تعريفة في كل مرة وهي بالكاد مصروفي وبالفعل كنت اعزف على الترومبيت لجذب نظر الأطفال قبل بداية العرض وتعلمت منه الكثير وهو يعمل وكان يصنع عرائس خيال الظل من جلد معدة الابقار ويأخذها من أحد الجيران العاملين بالمذبح.
وكشف الموجي عن اول عروسة قام بتحريكها وكانت راقصة حيث إنه وجد الشارع يفترش لإقامة حفل زفاف وطلب من امه ان تصنع له عروسة قطن، وقام بإنزالها من شباك الشقة بالدور الثاني وشاهدها العازفين وبدأوا بالعزف وبدأ هو بالتحريك وتفاعل معها المعازيم.
وقرر الموجي وهو بالكلية ان يكون هذا الفن هو طريقه وكان مشروع تخرجه عن المسرح الأسود بعرض يدعى «وادي اللا شيء» وكتبه اخيه سعد الموجي وكتب بعض اشعاره احمد فؤاد نجم، وكان عبارة عن 120 لوحة تعكس كل مشاهد العرض وحركة كل عروسة على المسرح، وكان قصته تدور حول طفل يحلم ويسمع اذان دوت الخليج والمئذنة الخاصة بالجامع تتحول إلى صاروخ وتتغير لعوالم أخرى منها الجنة والنار، ولكنه لم ينفذه فيما بعد على مسرح العرائس لأسباب عديدة.
وقد جاء تعيين الفنان جمال الموجي على التلفزيون وحين عرف بمسرح العرائس قرر ان ينتقل اليه، وقد بدأ العمل كمساعد في عرض «مدينة الاحلام» مع المخرج ناجي شاكر وكتب شعر العرض الشاعر فؤاد قاعود وكان هذا العرض يمتاز بأن كل مشهد به هو لوحة تشكيلية.