فن ومشاهير

محمد خان.. المخرج الذي جعل الكاميرا تعشق الشارع المصري وكتب اسمه في سجل الخالدين

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر محمد خان.. المخرج الذي جعل الكاميرا تعشق الشارع المصري وكتب اسمه في سجل الخالدين في المقال التالي

أحمد جودة - القاهرة -  


في مثل هذا اليوم، السادس والعشرين من أكتوبر، تحل ذكرى ميلاد المخرج الكبير محمد خان، أيقونة السينما الواقعية وصاحب البصمة التي لا تمحى في تاريخ الفن المصري والعربي. رحل الجسد، لكن ظل اسمه حاضرًا في ذاكرة كل محب للسينما الحقيقية، تلك التي تلتقط أنفاس الناس في الشوارع، وتنقل مشاعرهم دون زيف أو تجميل. خان لم يكن مجرد مخرج، بل كان فيلسوف الصورة الذي حوّل العدسة إلى شاهد حي على تفاصيل المجتمع المصري، بتناقضاته، بأحلامه، بآلامه، وبنضجه الإنساني الذي لا يشبه أحدًا.

منذ ظهوره في مطلع الثمانينات، استطاع محمد خان أن يقلب مفاهيم الإخراج رأسًا على عقب، بعد أن منح البطولة للشارع وللناس البسطاء بدلًا من النجم وحده، وصنع مدرسة متفردة لا تزال تُدرّس حتى اليوم، مدرسة أساسها الصدق في الحكاية والبساطة في الصورة وعمق الفكرة لم يكن غزير الإنتاج، لكنه كان غزير الأثر، فكل عمل من أعماله كان حدثًا فنيًا يغير من شكل السينما المصرية ويعيد تعريفها.

يُعد خان أحد أبرز رموز جيل الواقعية الجديدة، ذلك الجيل الذي قرر أن يواجه التجميل الزائف للواقع بأفلام حقيقية تعبر عن هموم الناس وأحلامهم. في أفلامه، رأينا القاهرة كما لم نرها من قبل، رأينا الحب والفقر والبحث عن الذات، ورأينا الإنسان كما هو، بكل ضعفه وجماله وقوته.

أول بصماته كانت بفيلم ضربة شمس عام 1980، الذي مثّل نقطة تحول في السينما وقتها، بطولة نور الشريف ونورا، وبه قدّم خان تجربة مختلفة تمامًا عن السائد، وضعته منذ اللحظة الأولى في مصاف الكبار.
ثم جاء فيلم الحريف عام 1984، الذي جمعه بالزعيم عادل إمام في تجربة غير مألوفة، بعيدًا عن الكوميديا التي اعتادها الجمهور. في هذا العمل صنع خان ثورة فنية حقيقية، قدم فيها البطل الشعبي بلحمه ودمه، الرجل البسيط الذي يبحث عن ذاته وسط ضوضاء المدينة. ورغم أن الفيلم لم يحقق الإيرادات المتوقعة وقتها، إلا أنه دخل التاريخ باعتباره واحدًا من أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

أما فيلم موعد على العشاء الذي أخرجه عام 1981، فكان بمثابة قصيدة سينمائية من بطولة أحمد زكي وسعاد حسني وحسين فهمي. في هذا العمل ظهرت موهبة خان الحقيقية في التعامل مع الكادرات والضوء والظل، حيث كانت كل لقطة تحمل معنى، وكل نظرة تنطق بما لا يُقال. لم يكن الفيلم مجرد قصة حب مأساوية، بل لوحة فنية تفيض بالمشاعر والألم الإنساني.

وجاء خرج ولم يعد ليؤكد عبقرية خان، حيث قدم من خلاله رؤية فلسفية عميقة عن الهروب من صخب المدينة إلى صفاء الريف، عبر أداء مدهش ليحيى الفخراني الذي حصل عن دوره على تكريمات عديدة. الفيلم لم يكن مجرد قصة، بل رحلة تأمل في معنى الحياة والحرية والبحث عن السلام الداخلي.

ثم جاءت التحفة الخالدة زوجة رجل مهم عام 1987، الذي جمع فيه أحمد زكي وميرفت أمين في واحد من أعظم الأدوار في تاريخ كل منهما. تناول خان في هذا العمل ببراعة العلاقة المعقدة بين السلطة والمجتمع والمرأة، وقدّمها من منظور إنساني عميق جعل الفيلم من العلامات الفارقة في السينما المصرية والعربية، ومن أكثر الأعمال التي تُدرّس في معاهد السينما حتى اليوم.

محمد خان لم يكن صانع أفلام عابرًا، بل كان حالة فنية استثنائية، ترك وراءه إرثًا سينمائيًا لا يُنسى، وأثرًا واضحًا في وجدان كل من عشق الكاميرا. كان يملك قدرة نادرة على جعل الصورة تنبض بالحياة، فكاميرته لم تكن ترى فقط، بل كانت تشعر وتفكر وتحلم.

بعد رحيله، بقيت أعماله حية، يعاد اكتشافها مع كل جيل جديد من عشاق السينما. وتواصل ابنته المخرجة نادين خان المسيرة، حاملة راية والدها بكل فخر، لتؤكد أن ما زرعه من حب للسينما سيظل ينبت إبداعًا لا ينتهي.

في ذكرى ميلاده، لا يمكن إلا أن نقف أمام إرث هذا الرجل الذي جعل من السينما مرآة صادقة للمجتمع، وعلّم الجميع أن الفن لا يعيش طويلًا إلا إذا خرج من القلب ودخل إلى القلب.
 

Advertisements

قد تقرأ أيضا