نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر مؤمن الجندي يكتب: صنم التريند في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - من المؤلم يا سادة أن نرى في زماننا هذا كيف أصبح “التريند” صنمًا جديدًا، يُساق الناس إليه أفواجًا، ويُضحى من أجله بالقيم، وبالمنطق، وبالمسافة التي كانت تفصل بين الجد والهزل، بين الإعلامي والبهلوان.
لقد كان من يظهر عبر التلفزيون يومًا صوت العقل في الزحام، ميزان الاتزان في زمن الغضب، أما اليوم فقد صار بعضهم يلهث وراء لحظة غضبٍ مفتعلة، أو مشادةٍ مصطنعة، أو كلمةٍ تُشعل “الهاشتاج”، ولو على حساب هيبة المهنة، واحترام المشاهد، وكرامة الضيف.
ما حدث مؤخرًا على الشاشة بين الكابتن أسامة نبيه والكابتن ربيع ياسين، لم يكن مجرد حوار رياضي خرج عن السياق، بل مشهد رمزي لزمن تاه فيه المعنى، وارتفع فيه الضجيج.
أن تحاول أن “تصنع تريندًا” من استفزاز رجل بحجم وتاريخ ربيع ياسين، فذلك ليس ذكاءً ولا احترافًا، بل سقوط في امتحان القيم قبل امتحان المهنية.
نعم، ربما أصبح “التريند” هو العملة الرائجة في سوق الإعلام، لكن حتى السوق له أخلاق.. هناك فرق بين أن تثير نقاشًا حقيقيًا يلمس العقول والقلوب، وبين أن تصطنع معركة كلامية تبحث فقط عن عناوين ساخنة ولقطات غاضبة.
في الأولى تصنع تأثيرًا، وفي الثانية تصنع فقاعات، سرعان ما تتبدد حين يأتي الغد بلا ذكر ولا أثر.
ولأننا نحترم القميص قبل الاسم، والرسالة قبل الرقم، فلا بد أن نقولها بوضوح: ارتداء تيشيرت الزمالك لا يمنح أحدًا شرف تمثيله إن لم يحمل قيمه، تمامًا كما أن الحديث عن الأهلي لا يمنح صاحبه عباءة الانتماء.. الانتماء موقف.. لا “تريند”.
لقد هبط سقف الطموح الإعلامي من “كيف أُثري وعي الناس؟” إلى “كيف أثير فضولهم؟”، ومن “كيف أضيف؟” إلى “كيف أُشاهد؟”، حتى بات المشهد على الشاشات أقرب إلى سوق عكاظ منه إلى استديوهات الإعلام.
لكن الأمل لا يزال قائمًا.. سيظل هناك من يؤمن أن الكلمة مسؤولية، وأن الشاشة مكان لا يليق به الصخب الرخيص، بل الوقار الذكي، والمعلومة التي تترك أثرًا لا “تفاعلًا”.
فاحذروا يا سادة أن يتحول الإعلام إلى مرايا للغرور، وأن تصبح الحقيقة مجرد وسيلة للوصول إلى “التريند”.
فحين نعبد الضوء.. نحترق به.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
