نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر نوستالجيا... “أبو حلموس” تحفة نجيب الريحاني التي جعلت خروف العيد بطلاً سينمائيًا وفضحت دهاء البشر قبل الزمان في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة -
تمرّ اليوم الإثنين الذكرى الـ78 على عرض أحد أهم وأذكى أفلام الكوميديا المصرية في عصرها الذهبي، فيلم «أبو حلموس»، الذي أُطلق في 27 أكتوبر عام 1947، ليُسجَّل كواحد من روائع نجيب الريحاني، وكنز فني لا يزال ينبض بروح السخرية الاجتماعية حتى اليوم.
هذا العمل الذي جمع بين زوزو شكيب، ماري منيب، حسن فايق، استيفان روستي، ولولا صدقي، من تأليف بديع خيري وإخراج إبراهيم حلمي، لم يكن مجرد فيلم كوميدي عابر، بل كان مرآة لزمنٍ ضاع فيه الصدق بين الحسابات والذمم، وظهر فيه لأول مرة خروف العيد كرمز فني ساخر، ليصبح شاهدًا على عبقرية الريحاني وقدرته على تحويل أبسط التفاصيل إلى أيقونة نقدية لا تُنسى.
في «أبو حلموس»، يُقدّم نجيب الريحاني شخصية شحاتة أفندي، المحاسب البسيط الذي ينتقل من وظيفة متواضعة في دكان لبيع الطيور إلى وظيفة في أوقاف “الأزمرلي باشا”، وهناك يكتشف أن ناظر الوقف يزوّر الحسابات ويبالغ في مصاريف “خروف العيد” الذي يُذبح كل عام. ومع أن شحاتة يحاول التأقلم، إلا أنه يجد نفسه غارقًا في عالم من الفساد والخداع، وسط سلسلة من المفارقات التي تمتزج فيها الكوميديا بالوجع الإنساني.
ويتعقد المشهد أكثر حين يقع شحاتة في غرام ابنة الناظر، تلك التي تسخر من مشاعره وتختار غيره، قبل أن تظهر راقصة تدّعي أن لها طفلًا من ابن الناظر، فتدّعي الابنة بدورها أن الطفل من شحاتة، لتتحول الأحداث إلى دوامة من التزييف الأخلاقي والنفاق الاجتماعي في قالب كوميدي لاذع سبق عصره بعقود.
الفيلم يظل أحد أعمدة الكوميديا الراقية التي أسّست للمدرسة الواقعية الساخرة في السينما العربية، حيث جسّد الريحاني بعبقريته شخصية الإنسان المطحون الذي يُضحكنا بينما يبكينا على حاله، ونجح في تقديم نقد اجتماعي لاذع دون أن يفقد خفة الدم ولا أصالة الأداء.
ورغم أن مسيرة نجيب الريحاني المسرحية كانت الأوسع، فإن ما تبقّى من أفلامه — وعددها ستة فقط — يُعد من أعمق ما قدّم في تاريخ الفن العربي، بما فيها «أبو حلموس» الذي لا يزال يُدرّس كمدرسة فنية في كيفية صناعة الضحك المحترم.
الريحاني رحل عام 1949 أثناء تصوير فيلمه الأشهر «غزل البنات» بعد إصابته بمرض التيفويد، ليترك النهاية مفتوحة في الفن كما في الحياة، ولكن أعماله بقيت خالدة، تحمل عبق الضحكة الصافية من زمن الأبيض والأسود، حين كان الكوميديان فيلسوفًا، والضحك رسالة.
