نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر هل المصريون القدماء كانوا مشركين؟ الأوقاف توضح في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - نشرت وزارة الأوقاف المصرية عبر موقعها الرسمي "أوقاف أون لاين" إجابة عن التساؤلات حول هل المصريون القدماء كانوا مشركين؟
قائلة: أثار تاريخ المصريين القدماء تساؤلات عديدة حول حقيقة عقيدتهم، هل كانوا مشركين يعبدون الأصنام، أم عرفوا التوحيد وعبدوا الإله الواحد منذ القدم؟ وسوف نتناول هذه التساؤلات ومناقشة هذه القضية من منظور ديني وتاريخي، من جذور الفكرة، وموقف النصوص، والشواهد العلمية وآراء العلماء منها.
الرد على الدعوى العدائية للمصريين القدماء وكشف أصل فكرة شركهم بالكلية
ابتداءً فكرة كفر المصريين القدماء بإطلاق من الواضح أنها فكرة عدائية للحضارة المصرية القديمة عن قصد من البعض الذين يحملون توجها عدائيًّا لما هو مصري الهوية، وخاصة إن كان هذا الشيء فيه تمجيد وإجلال لهذا الوطن والشعب العريق؛ حيث زعم البعض من هؤلاء الذين لا خلاق لهم- زورًا وبهتانًا- أنَّ أهل مصر كانوا وثنيين، ولم يعرفوا التوحيد إلا بعد رسالة سيدنا موسى عليه السلام.
ولا خلاف بين العلماء أن المصريين القدماء كانوا كبقية شعوب الدنيا منهم المؤمن ومنهم غير المؤمن، ووصْفُ المصريين القدماء بأنهم كانوا وثنيين أو مشركين أو كانوا يَعبُدون من دون الله تعالى بإطلاق وتعميم، ونحو ذلك جهالة عظيمة؛ بل عَرَفَتْ مصر التوحيد الخالص لله الواحد القهار منذ العصر الحجري الذي يبدأ من ٦٠٠٠ سنة إلى ٥٠٠٠ سنة قبل الميلاد.
نصوص وشواهد تاريخية على وجود التوحيد في مصر القديمة
وإليك بعض الأدلة على ذلك باختصار شديد:
أولًا: ثبت بالأدلة القاطعة نزول جملة عظيمة من الأنبياء إلى مصر المباركة، وأنهم دعوا أهلها إلى التوحيد، ومن هؤلاء سيدنا شيث بن سيدنا آدم، ثم إدريس وإبراهيم ويوسف ثم أبيه وإخوته الأسباط الاثنا عشر، وأيوب وداود وسليمان وذو القرنين، والخضر ولقمان، عليهم جميعًا سلام الله. وقد أقيمت حضارات في زمانهم ودعوتهم إلى التوحيد قائمة بل وُصِفَ نبي الله سليمان بأنه كان يأمر بذلك الجن كما في قوله تعالى: {يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} [سورة سبأ: ١٣].
ووجود الأنبياء في مصر دليل على وجود التوحيد في كل فترة من الزمان، وجَحْدُ ذلك جَحْدٌ لنصوص قاطعة تخبرنا: {وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ} [فاطر: ٢٤] وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولٞۖ} [يونس: ٤٧] فكيف يزعمون أن حضارة ضربت في أعماق التاريخ لآلاف السنين أنهم كانوا على الشرك والكفر دون بشير ونذير لآلاف السنين.
شهادة العلماء والمفكرين بسبق المصريين إلى التوحيد
ولذا قال العلماء: "إِن أول من ملك مصر بعد الطوفان بيصر بن حام بن نوح، ونزل مدينة منف هو وثلاثون من ولده وأهله، ثم ملكها بعده ابنه مصر بن بيصر وهو الذي دعا له نوح صلوات الله عليه بما دعا له، وسميت البلاد به، لامتداد عمره وطول مدة ملكه، ثم ملك بعده ابنه قفط بن مصر، ثم ملك بعده أخوه أتريب بن مصر، وأتريب المذكور هو الذي بنى مدينة عين شمس وبها الآثار العظيمة إِلى الآن". [راجع: المختصر في أخبار البشر (١/ ٥٧)]، [تاريخ ابن الوردي (١/٤٨)].
فهذه الآثار العظيمة الموجودة إلى الآن كما أخبر المؤرخون هي أثر طيب لمؤمنين صالحين من نسل سيدنا نوح عليه السلام عاشوا بمصر المباركة.
ثانيًا: أثبت القرآن الكريم والسنة المطهرة وجود مؤمنين من قوم فرعون الذي ادَّعى الألوهية والربوبية معًا، قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ} [غافر:٢٨].
وهذه الآية حجة عظيمة واضحة الدلالة، فقد أثبت الله تعالى أن في قوم فرعون من كان مؤمنًا بالله تعالى، وإنما كتم إيمانه من بطش فرعون وكيده، بل إن آسية امرأة فرعون هي سيدة نساء أهل الجنة، كما جاء في قوله تعالى: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ} [التحريم: ١١].
وكما نصت الأحاديث الصحيحة أيضا بذلك، كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». [البخاري: ٣٤١١، ومسلم: ٢٤٣١].
وقال الإمام شيخ الإسلام النووي رحمه الله تعالى أثناء حديثه عن فرعون الذي كان في زمان سيدنا موسى عليه السلام: "وليس في الفراعنة أعتى منه، وليس هو فرعون يوسف عليه السلام؛ لأن فرعون يوسف أسلم على يديه، والله أعلم". [تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٤٩)].
يعضد هذا أيضا ما جاء في السنة المطهرة من نبأ ماشطة ابنة فرعون، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه، والإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنهم أجمعين عَنْ سيدنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؟» قَالَ: هَذِهِ رِيحُ قَبْرِ الْمَاشِطَةِ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا، قَالَ: وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ مَمَرُّهُ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّاهِبُ، فَيُعَلِّمُهُ الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَضِرُ، زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً فَعَلَّمَهَا الْخَضِرُ، وَأَخَذَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تُعْلِمَهُ أَحَدًا، وَكَانَ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ، فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أُخْرَى، فَعَلَّمَهَا وَأَخَذَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تُعْلِمَهُ أَحَدًا، فَكَتَمَتْ إِحْدَاهُمَا، وَأَفْشَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى أَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ يَحْتَطِبَانِ فَرَأَيَاهُ، فَكَتَمَ أَحَدُهُمَا، وَأَفْشَى الْآخَرُ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الْخَضِرَ، فَقِيلَ: وَمَنْ رَآهُ مَعَكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ، فَسُئِلَ، فَكَتَمَ وَكَانَ فِي دِينِهِمْ أَنَّ مَنْ كَذَبَ قُتِلَ، قَالَ: فَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْكَاتِمَةَ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ، إِذْ سَقَطَ الْمُشْطُ، فَقَالَتْ: تَعِسَ فِرْعَوْنُ، فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا، وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنَانِ وَزَوْجٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَرَاوَدَ الْمَرْأَةَ وَزَوْجَهَا أَنْ يَرْجِعَا عَنْ دِينِهِمَا، فَأَبَيَا، فَقَالَ: إِنِّي قَاتِلُكُمَا، فَقَالَا: إِحْسَانًا مِنْكَ إِلَيْنَا، إِنْ قَتَلْتَنَا أَنْ تَجْعَلَنَا فِي بَيْتٍ، فَفَعَلَ، فَلَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ فَأَخْبَرَه. [ابن ماجه: ٤٠٣٠، واللفظ له، وأحمد: ٢٨٢١، عن ابن عباس رضي الله عنهما].
وقال وِلْ ديورانت في "قصة الحضارة" (٢/ ١٨٦): "والمصريون على ما نعرف أول من وضع دستورًا واضحًا للضمير الفردي، والضمير العام، وهم أول من نادى بالعدالة الاجتماعية، وبالاقتصار على زوجة واحدة، وأول من دعا إلى التوحيد في الدين".
وجاء في بردية محفوظة في المتحف البريطاني: "أنت الإله الأكبر... سيد السماء والأرض... خالق كل شيء... يا إلهي وربي وخالقي... ". [الأدب والدين لأنطون ذكري (صـ٦٥)].
وقال الأستاذ العقاد رحمه الله تعالى عن التوحيد في الديانات القديمة: "والتوحيد توحيدان: توحيد الإيمان بإله واحد خلق الأحياء وخلق معهم أربابًا آخرين. وتوحيد الإيمان بإله واحد لا إله غيره.
ولم تُعرف أمة قديمة ترقَّتْ إلى الإيمان بالوحدانية على هذا المعنى غير الأمة المصرية". [إبراهيم أبو الأنبياء للعقاد صـ ٢٥٤، ٢٥٥].
فالأستاذ العقاد يقرر أن إطلاق كلمة التوحيد كانت تقال عمن يثبت الوحدانية لله تعالى ولكن لا يمنعون وجود شريك آخر وهو عين شرك الجاهلية لما كانوا يقولون: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك"، فهم قالوا بوجود إله ولكن عبدوا معه غيره. بخلاف منكر الألوهية أصلا.
وأما الصنف الثاني فهو التوحيد الخالص الذي لا يثبت ذاتا مشاركة لله في شيء، بل هو المنفرد بكل كمال، فيقرر الأستاذ العقاد أنه لا يعرف أمة ترقت إلى هذا النوع غير الأمة المصرية.
وقال الشيخ الفقيه محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى بعد أن ذكر تعدد الآلهة في الحضارة المصرية وغيرها: "يجب علينا أن نعتقد أن دعوات إلى التوحيد الخالص بعبادة إله واحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قد تواردت على العقل المصري، وبعيد أن ننفي نفيًا تامًّا عن المصريين في مدى خمسة آلاف سنة ازدهرت فيها حضارتهم، ونمت أن تكون قد وردت عليهم عقيدة التوحيد بدعوة من رسول مبين". [الديانات القديمة لأبي زهرة (صـ٧، ٨)].
وقد كتب الدكتور نديم عبد الشافي السيَّار كتابًا ماتعًا بعنوان: "قدماء المصريين أول الموحدين". [مطابع الأهرام بكورنيش النيل]، وقد أفاض في ذلك وأجاد فأفاد، وقدم صورة متكاملة في إثبات قضيته باستعراض كلام المصريين القدماء في كل زمن على ما ورد في البرديات ونصوصهم المترجمة، وأن أزمانهم لم تخل من التوحيد إن لم تكن هي حامية التوحيد والقائمة به عبر التاريخ البشري.
وجُماع القول أن تصوير المصريين القدماء بالتعميم والإطلاق على أنهم كانوا على الشرك من المغالطة؛ بل إنهم عرفوا التوحيد الخالص ودانوا به دون قبل شعوب عديدة لاتصالهم بالأنبياء من جهة، والحكماء كلقمان وأمين موبي وإخناتون، وذي القرنين، والخضر، وسارة، وآسية، وغيرهم من جهة أخرى، والله تعالى أعلى وأعلم.
الخلاصة
يتبيّن من دراسة النصوص الدينية والتاريخية أن وصف المصريين القدماء جميعًا بالشرك تعميم غير دقيق، فقد وُجد في مصر القديمة دعاة إلى التوحيد ومؤمنون بالله، وشهدت بعض عصورها نزعات توحيدية واضحة كعصر إخناتون؛ وعليه فمصر لم تكن دار وثنية مطلقة، بل عرفت دعوات إلى عبادة الإله الواحد منذ أقدم العصور.
