الرياض - كتبت رنا صلاح - تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في ملف الإسكان، حيث لم يعد هذا القطاع مجرد مشروع خدمي أو دعم اجتماعي، بل أصبح أحد أعمدة التنمية الوطنية التي تقودها رؤية المملكة 2030 . ومن أبرز ملامح هذا التحول تطبيق اللائحة التنفيذية لتنظيم الدعم السكني التي أقرها مجلس الوزراء، والتي تمثل نقطة فاصلة في آلية تقديم الدعم للمواطنين المستحقين، واللائحة الجديدة ليست مجرد تنظيم إداري، بل هي خارطة طريق شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه الحقيقيين، وفق أسس مدروسة تراعي احتياجات المواطنين وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، وتؤكد في الوقت نفسه مبدأ الشفافية والانضباط في استخدام الموارد العامة خغطظب بناء على ما تم الاعلان عنه رسميا من الجهات المختصة .
اللائحة التي غيرت قواعد اللعبة.. تفاصيل التحول السكني الأكبر في تاريخ السعودية
تسعى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان من خلال هذه اللائحة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار الأسري عبر دعم الأسر التي تواجه صعوبة في امتلاك المسكن المناسب. ففي السابق، كانت بعض الفئات تجد صعوبة في الحصول على الدعم رغم حاجتها الفعلية، بينما كانت فئات أخرى تنال الدعم دون أن تكون ضمن المستحقين فعلاً. جاءت هذه اللائحة لتعيد التوازن من خلال معايير دقيقة تستند إلى بيانات موثقة، وتضمن أن كل ريال يُنفق يصل إلى من يستحقه فعلاً.
فلسفة اللائحة الجديدة وأهدافها
كما تمثل اللائحة استجابة مباشرة لتوجيهات القيادة السعودية في جعل السكن حقًا أساسيًا لكل مواطن، وليس مجرد امتياز. فهي تسعى لتمكين الأسر من امتلاك مساكنها بطرق ميسرة، دون الإضرار بالاستقرار المالي للأسرة أو إثقال كاهلها بالديون طويلة الأمد.
شروط الاستحقاق والفئات المشمولة بالدعم
وضعت اللائحة التنفيذية مجموعة من الضوابط والشروط الواضحة التي تضمن أن الدعم يصل إلى الفئات المستحقة فعليًا. هذه الشروط تمثل أساس العدالة، وتشكل الفلتر الأول لاختيار المستفيدين الحقيقيين من الدعم السكني.
ومن أبرز هذه الشروط:
- أن يكون المتقدم سعودي الجنسية، فالدعم مخصص للمواطنين فقط.
- أن تكون الأسرة مقيمة داخل المملكة، مع مراعاة الحالات الخاصة مثل العمل أو الدراسة أو العلاج في الخارج.
- ألا يمتلك المتقدم أو أحد أفراد أسرته مسكنًا مناسبًا خلال فترة التقديم أو في العام السابق له، مما يمنع الازدواج في الاستفادة.
- ألا تتجاوز قيمة أصول الأسرة خمسة ملايين ريال سعودي، مع استثناء الممتلكات الصغيرة مثل السيارات الشخصية أو الأراضي ذات المساحات المحدودة.
- السماح لبعض الفئات الخاصة بالتقديم المستقل مثل الأرامل والمطلقات وذوي الإعاقة ومن تجاوز الخامسة والعشرين عامًا دون زواج.
نظام النقاط وآلية تحديد الأولوية
واحدة من أهم مميزات اللائحة الجديدة هي اعتماد نظام النقاط لتحديد أولوية المستحقين. هذا النظام يمثل نقلة نوعية في طريقة توزيع الدعم، إذ يعتمد على العدالة الرقمية بدلاً من الاجتهاد الشخصي أو التقدير الذاتي.
فكل متقدم يحصل على عدد معين من النقاط بناءً على حالته الاجتماعية والمالية. ويتم احتساب النقاط وفقاً لمجموعة من المعايير العادلة، من أبرزها:
- مستوى الدخل الشهري للأسرة: كلما انخفض الدخل زادت النقاط.
- عدد أفراد الأسرة: الأسر الأكبر تحصل على نقاط أعلى نظرًا لزيادة احتياجاتها.
- الحالات الإنسانية الخاصة: مثل وجود مريض مزمن أو أحد ذوي الإعاقة ضمن الأسرة، وهو ما يمنح نقاطًا إضافية.
- عامل السن: في حال تساوي النقاط تكون الأولوية للأكبر سنًا، لما له من أحقية في الاستقرار السكني بعد سنوات من الانتظار.
كما تأخذ آلية التقييم في الاعتبار القدرة على السداد، بحيث لا تتجاوز قيمة القسط الشهري ثلث الدخل الشهري للمستفيد. وحددت اللائحة فترة السداد بحد أقصى خمسًا وعشرين سنة، على ألا يتجاوز عمر المستفيد خمسة وستين عامًا عند انتهاء السداد، ما يضمن استدامة القدرة المالية وعدم تعثر المستفيدين مستقبلاً.
الشفافية في البيانات والعقوبات المقررة
من أبرز ما ميز اللائحة التنفيذية الجديدة هو الصرامة في التعامل مع البيانات، حيث شددت على أهمية الشفافية والدقة في المعلومات المقدمة من المستفيدين. فالهدف من الدعم السكني هو خدمة المستحقين الحقيقيين، وليس فتح المجال أمام من يحاولون استغلال النظام بطرق غير قانونية.
وقد وضعت اللائحة مجموعة من الضوابط الصارمة، أبرزها:
- التزام المستفيد بتحديث بياناته خلال خمسة عشر يومًا من أي تغيير يطرأ على وضعه الاجتماعي أو المالي.
- إلغاء الدعم واسترداد المبالغ المصروفة في حال ثبوت تقديم بيانات غير صحيحة أو مضللة.
- منح الوزارة صلاحية رفض أو تعليق الطلبات التي لا تستوفي الشروط أو تنقصها المستندات المطلوبة.
- إنشاء لجنة مختصة للنظر في التظلمات خلال فترة لا تتجاوز ستين يومًا من تاريخ إخطار المستفيد بالقرار، مما يضمن حق الاعتراض والعدالة في النظر بالطلبات.