نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر صوت من الجدران في غزة: تساؤلات عن النصر والمعاناة في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة -
في الشوارع المهجورة وبين جدران المنازل المهدمة، بدأت رسومات الجرافيتي والكتابات البسيطة تظهر كصرخة صامتة: عبارات مثل «أين النصر؟» أو بصيغ محلية «وين النصر؟» تلوح على الجدران، كأنها لوحة من سكان يشهدون الدمار في رواية النصر التي تروّجها جهات رسمية. هذا الفن الشعبي ليس مجرد تعبير بصري؛ بل حركة احتجاج هادئة تعبّر عن استياء عميق من الحرب ومن منادٍ قدّمتها جهة على أنها «انتصار».
الجدران تتحدث: الجرافيتي كاحتجاج صامت
منذ سنوات، استخدم فنّ الشارع في غزة كما في مناطق نزاع أخرى كقناة للتعبير عن الألم والأمل والمطالبة بالعدالة. في سياق الحرب الأخيرة، لم تقتصر الرسومات على تمجيد أو دعوات سياسية فحسب، بل تحوّلت إلى تساؤلات مباشرة يطرحها الناس على من يدّعون النصر: «أين النصر؟»، هذا الأسلوب من الاحتجاج لا يبارز مسيرات صاخبة ولا يختلط بسهولة ببيانات سياسية؛ هو نبرة ثانية تعبر عن تعب شعبي عميق.
وتُنشر صور هذه الجداريات على منصات التواصل الاجتماعي بشكل متزايد، حيث وثّقت العديد من رسومات الجرافيتي الجديدة في أحياء غزة، في مشاهد تعبّر عن الحزن والغضب والأمل المفقود.
بين الجرافيتي والميادين: موجة استياء تتخذ أشكالًا متعددة
الكتابة على الجدران رافقها أيضًا ظهور احتجاجات شعبية نادرة ومعبرة داخل القطاع، حيث خرج عشرات أو مئات في مناسبات محدودة يهتفون ضد حماس ويطلبون نهاية الحرب وتحسين الأوضاع المعيشية. هذه المظاهرات، التي رصدتها وكالات دولية، استخدمت هتافات مثل «حماس ارحل» و«كفى حروبًا» وهي دلائل على أن السخط الشعبي تجاوز حواجز الخوف التقليدية.
الجرافيتي هنا يعمل كامتداد بصري لتلك الهتافات: بينما يصرخ المتظاهرون في الشوارع، يهمس الفنانون على الجدران بصوت يستمر طويلًا بعد انقشاع الحشود.
لماذا «أين النصر؟»؟ قراءة في المعنى
العبارة البسيطة تحمل عدّة رسائل مترابطة:
اتهام ضمني بأن ثمرة الحرب لم تُترجم إلى حياة أفضل للسكان، بل إلى تدمير ومعاناة ورفض للتعابير الخطابية التي تمنح معنى «الانتصار» بينما يعيش الناس نزوحًا وجوعًا ومرضًا كما إنه ا دعوة لصيغة جديدة للشرعية، شرعية تُقاس بقدرة الجهات الحاكمة على حماية المدنيين وتوفير الخدمات لا بقدرتها على إطلاق الصواريخ أو الردّ عسكريًا.
هذه القراءة تربط بين السخط اليومي (نقص الدواء، انقطاع الماء، انهيار البنية التحتية) وبين رفض سردية «النصر» التي يبدو أن جزءًا من الناس لا يعيشها أو لا يرى آثارها. تقارير الميدان تُشير إلى أن السخط تراكم حتى خرج بعض السكان للتعبير عنه علنًا.
من يرسم ومن يشاهد؟ الفاعلون في ساحة الفن الاحتجاجي
الفنانون المحليون مجموعات جرافيتي ومبدعون فرديون وجدوا في الجدران متنفّسًا يمكنه نقل رسالة طويلة المدى. كما أن منصات التواصل لعبت دور الوسيط: الصور تُنشر وتنتشر، وتستدعي نقاشًا محليًا ودوليًا حول معنى الضحايا والنجاة و«النصر». تقارير وصور منشورة عبر صفحات محلية وصفحات فنية أظهرت جداريات ومحاولات لإحياء الذاكرة الإنسانية وسط الركام.
من ناحية أخرى، رصدت وكالات أنباء تحذيرات من محاولات استغلال الاحتجاجات لمآرب سياسية، وتحذير من أن خطاب الاستياء قد يُواجه بتشديد أمني، كما حدث سابقًا في موجات احتجاج سابقة.
كيف استجابت الجهات المختلفة؟
الاستجابة الرسمية والإقليمية لمظاهر الاستياء داخل غزة كانت متباينة: بينما تؤكد الجهات الوسيطة والدولية على ضرورة حماية حرية التعبير المدني وضمنها التعبيرات الفنية، توجه فاعلون سياسيون وأمنيون تحذيرات من محاولات «استغلال الاضطراب»، ويشير آخرون إلى أن الاستماع للمواطنين من شأنه أن يخفف الضغط ويُسهم في استقرار طويل الأمد. تقارير دولية أشارت إلى أن الوسطاء يضعون في حساباتهم أيضًا نبض الشارع عند محاولات تثبيت أي هدنة أو تسوية.
جدارية أو كتابة بسيطة تحمل بين حروفها عشرات القصص: من فقدوا منازلهم، ومن يفتقدون الدواء، ومن فقدوا أقرباء، ومن تعبوا من الخطابات الكبرى. «أين النصر؟» ليست مجرد سؤال بل دعوة للمساءلة: لمنِ النصر؟ بأي ثمن؟ ولمن تُحتسب الانتصارات إذا كان الناس يكافحون من أجل رغيف خبز ليومٍ آخر؟
في نهاية المطاف، الجدران تذكرنا بأن أي سردية سياسية تحتاج إلى اختبار شرعية أمام واقع يومي: الأمن، الصحة، الماء، الكرامة. حتى يجيب الناس على سؤالهم، سيبقى الجرافيتي صدىً يوميًا لوجعٍ لم يُسمع بعد بصورة كاملة على طاولات القرار.
