الرياض - كتبت رنا صلاح - في مشهد لا يخلو من الغرابة، يعيش آلاف المعلمين والمعلمات في المملكة العربية السعودية مأزقًا يوميًا سببه تطبيق يفترض أنه جاء لتسهيل حياتهم العملية . تطبيق “حضوري”، الذي أطلقته وزارة التعليم لتوثيق الحضور والانصراف إلكترونيًا، تحوّل من وسيلة تنظيمية حديثة إلى مصدر توتر دائم وخوف متجدد. فكل عطل تقني بسيط أو تأخير في تسجيل الدخول صباحًا قد يعني خسارة يوم كامل من الراتب، وكأن سبع ساعات تأخير كفيلة بمسح تعب أسبوع من الجهد في لحظة واحدة زمفغل بناء على ما تم الاعلان عنه رسميا من الجهات المختصة .
أعطال “حضوري” تُشعل غضب المعلمين في السعودية: 7 ساعات تأخير تساوي خصم يوم كامل
لم يعد القلق مقتصرًا على تحضير الدروس أو متابعة الطلاب، بل أصبح المعلم الآن يترقب بقلق ما إذا كان “حضوري” سيعمل أم لا. البعض يصف تجربته اليومية بأنها "سباق مع التطبيق"، بينما آخرون يقولون إنهم يضطرون لتكرار تسجيل الدخول أكثر من عشر مرات قبل أن ينجح النظام في توثيق حضورهم.
المعلم سعيد القحطاني قال في تصريح متداول: “نحن لا نرفض التقنية، بل ندعمها، لكن من غير المعقول أن يُحاسبنا النظام على أخطاء لا دخل لنا بها. نطالب بفترة تجريبية دون خصومات حتى تُحل مشاكل التطبيق تمامًا.”
حديث القحطاني يعكس حالة عامة من الاستياء في الميدان التعليمي، فالمعلمون يشعرون أن النظام يُعاقبهم بدلًا من أن يُساعدهم. ومع أن الغرض من “حضوري” كان تسهيل الرقابة الإدارية وضبط الانضباط الوظيفي، إلا أن التطبيق في صورته الحالية يخلق أزمة ثقة حقيقية بين المستخدم والمنظومة التقنية الجديدة.
التحول الرقمي بين الطموح والواقع
وزارة التعليم السعودية كانت قد أطلقت “حضوري” ضمن مشروع التحول الرقمي الوطني الذي يهدف إلى تحديث جميع أنظمة العمل الحكومي، لتصبح أكثر كفاءة ودقة. ومن الناحية النظرية، الفكرة ممتازة؛ نظام إلكتروني يُوثّق الحضور والانصراف بدقة، يُلغي الورق، ويُقلّل الأخطاء البشرية. لكنّ التطبيق العملي كشف عن مشكلة جوهرية: التقنية حين لا تُصمَّم لتحمل الضغط الحقيقي، تتحول من حل إلى عبء.
الخبراء التقنيون يرون أن السبب الأساسي في الأعطال هو الضغط الهائل في وقت محدد من اليوم. فآلاف المعلمين يحاولون تسجيل دخولهم في نفس الدقيقة تقريبًا، وهو ما يسبب بطئًا شديدًا وتعطلًا في الخوادم. وبعض المختصين أشاروا إلى أن الحل قد يكون في توسيع السعة التقنية أو توزيع فترات تسجيل الدخول على نطاق زمني أوسع، بحيث لا يتكدس المستخدمون في وقت واحد.
خسائر مالية بلا وجه حق
الجانب الأكثر إيلامًا في الأزمة هو الجانب المالي. فالقانون التعليمي واضح: كل سبع ساعات تأخير تُحتسب خصم يوم كامل من الراتب. لكن هذه القاعدة تصبح ظالمة حين يكون السبب خارج إرادة الموظف. المعلمون يتساءلون: كيف يُخصم من رواتبنا بسبب مشكلة تقنية لا نملك التحكم فيها؟
الخصم المالي لا يؤثر فقط على الدخل الشهري، بل على الروح المعنوية أيضًا. أحد المعلمين كتب على منصة “إكس”: “نحن نعيش قلقًا كل صباح. لا نعلم إن كان النظام سيعمل أم لا. خصم يوم من الراتب بسبب تطبيق لا يستجيب أمر مؤلم.”
هذه الكلمات تختصر المعاناة. فالتطبيق، رغم هدفه النبيل في تحقيق الانضباط، أصبح أداة خصم قاسية بيد الخلل التقني.
ضغط نفسي وتوتر يومي
من الناحية النفسية، يتحدث خبراء السلوك الوظيفي عن آثار مقلقة لهذه التجربة. الاعتماد على نظام غير مستقر يخلق توترًا يوميًا، خاصة عندما يرتبط مباشرة بالراتب والمعيشة. المعلم الذي يبدأ يومه بالتوتر بسبب تطبيق لا يعمل، من الطبيعي أن يتأثر أداؤه داخل الفصل.
وهنا تظهر المشكلة الكبرى: التقنية لم تُصمم فقط لتراقب الأداء، بل لتُسهله. وعندما تُصبح التقنية نفسها عائقًا أمام الراحة الذهنية، فإنها تُفرغ من هدفها الأساسي.