انتم الان تتابعون خبر انكماش، تضخم، عجز.. معالم الانهيار الاقتصادي في حرب غزة من قسم اخبار العالم والان نترككم مع التفاصيل الكاملة
شهد محمد - ابوظبي في الأربعاء 8 أكتوبر 2025 07:20 صباحاً - فمنذ السابع من أكتوبر، تشير التقديرات إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 200 مليار دولار لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، بينما ارتفعت كلفة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الممتدة منذ عام 1946، إلى نحو تريليوني دولار، منها تريليون خُصصت للإنفاق العسكري وإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، وتريليون أخرى تمثل فرصاً اقتصادية ضائعة بسبب تعطل الاستثمار والتنمية.
الاقتصاد تحت الركام
في أحدث تقرير للبنك الدولي، تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 27 بالمئة خلال عام 2024، بينما انكمش اقتصاد غزة بنسبة 83 بالمئة خلال الفترة ذاتها، نتيجة الدمار الواسع وغياب النشاط الإنتاجي. وتشير الأرقام إلى خسائر مادية تقدّر بـ 30 مليار دولار، فيما قدّرت كلفة إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار — وهو رقم قد يرتفع إلى 65 ملياراً مع استمرار العدوان، بحسب الخطة المصرية المدعومة دولياً.
أما إسرائيل، فرغم قدراتها المالية واستقرار بنيتها التحتية، لم تكن بمنأى عن التأثيرات، إذ تكبد اقتصادها خسائر مباشرة وغير مباشرة تُقدّر بـ 100 مليار دولار، وفقاً لتقديرات صحيفة يديعوت أحرونوت، وتراجع حجم الاستثمارات فيها بنسبة 17 بالمئة خلال عامين، في إشارة إلى هشاشة الثقة في بيئة الأعمال مع اتساع رقعة التوتر الإقليمي.
فلسطين دفعت الكلفة الأكبر
في مقابلة مع برنامج "بزنس مع لبنى" على دوت الخليج، وضع أستاذ العلوم المالية في الجامعة العربية الأميركية نصر عبد الكريم الخسائر في سياقها الحقيقي قائلاً: "منذ السابع من أكتوبر، الأضرار والخسائر الاقتصادية التي لحقت بالفلسطينيين أكبر بأضعاف مما لحق بالاقتصاد الإسرائيلي. كلفة الحرب على غزة وحدها تقارب 70 مليار دولار، والضفة الغربية نزفت مليارات أخرى. يمكن القول إن الاقتصاد الفلسطيني فقد أكثر من ثلث قيمته."
يضيف عبد الكريم أن الاقتصاد الإسرائيلي بدوره تأثر بشدة، لكنه يحتفظ بقدرة أعلى على التعافي:
"الاقتصاد الإسرائيلي خسر نحو 250 إلى 300 مليار شيكل، أي ما يعادل 70 إلى 80 مليار دولار، وهي تشكّل نحو 12 إلى 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هناك. لكن الفارق أن إسرائيل تمتلك أدوات تمويل قوية وقدرة على امتصاص الصدمات، بينما الاقتصاد الفلسطيني هش ومحاصر."
اقتصاد بلا مقاييس تقليدية
يرى عبد الكريم أن ما يحدث في غزة تجاوز حدود الاقتصاد بمعناه التقليدي: "اليوم لا يمكن الحديث عن اقتصاد بمقاييس تقليدية في غزة. كل القطاعات تعطلت، والبنية الإنتاجية انهارت، والقطاع الخاص في الضفة يواجه قيوداً إسرائيلية كبيرة تمنعه من الحركة والاستيراد والتصدير، ما جعل النشاط الاقتصادي شبه متوقف."
كلماته تعكس واقعاً مؤلماً: لا مصانع، لا تجارة، لا خدمات، سوى اقتصاد طوارئ يعيش على المساعدات الإنسانية، في انتظار هدنة قد تعيد الحد الأدنى من الدورة المالية.
الفرصة الغائبة: السلام كرافعة اقتصادية
في مفارقة صارخة، تُظهر ورقة بحثية صادرة عن المنتدى الاستراتيجي العربي (2024) أن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يرفع حجم النشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط بما يصل إلى 1.7 تريليون دولار خلال عقد واحد، فيما قدّرت دراسة لمؤسسة راند مكاسب التسوية الدائمة بـ 219 مليار دولار خلال عشر سنوات، عبر تنشيط قطاعات السياحة والتمويل والتجارة والاستثمار.
لكن عبد الكريم يضع شرطاً واضحاً لتحقيق ذلك: "لا يمكن الحديث عن فرصة اقتصادية مستدامة دون سلام شامل وعادل. إذا بقيت المعابر مغلقة، والاستيطان قائماً، والاحتلال يسيطر على الحدود، فكل ما يمكن تحقيقه سيكون مجرد انتعاش مؤقت مرتبط بجهود الإغاثة."
الخطة المصرية... واقعية بشروط
يتوقف عبد الكريم عند الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، التي حظيت بدعم فلسطيني وعربي ودولي، ويراها "واقعية إلى حد بعيد"، لكنه يشير إلى ضرورة تحديثها بعد تجدد القتال في مارس الماضي.
"كلفة الإعمار ارتفعت من 53 إلى نحو 65 مليار دولار، لكن الإطار الزمني للخطة، بين 10 إلى 12 عاماً، منطقي وقابل للتطبيق. الأهم هو ضمان ألا يُعاد تدمير ما يُبنى، وأن تلتزم إسرائيل بوقف سياساتها العدوانية."
ويضيف: "إذا توفرت الشروط السياسية والأمنية، يمكن استكمال إعادة الإعمار خلال 15 عاماً كحد أقصى، لكن لا بد من ضمانات دولية تحمي أي تقدم اقتصادي من الانتكاس مجدداً."
السلام والاستقرار... معادلة التنمية المستحيلة بدونها
من وجهة نظر اقتصادية بحتة، يؤكد عبد الكريم أن الاستقرار الأمني والسياسي هو شرطٌ أساسي لأي نمو مستدام:
"السلام والاستقرار الأمني يخلقان بيئة مواتية للنشاط الاقتصادي. تتدفق الاستثمارات، وتزداد حركة التجارة، وتتوسع فرص التعاون المشترك. السلام لا يحمي الأرواح فحسب، بل يحفظ الكرامة ويؤسس لاقتصاد متوازن."
ويرى أن القطاع الخاص هو اللاعب الأهم في معادلة التنمية، لكنه لا يغامر إلا في بيئة خالية من المخاطر:
"القطاع الخاص ينزع بطبيعته نحو الدول المستقرة. كلما انخفضت المخاطر، زادت الاستثمارات حتى بعوائد أقل، لأن الأمن والاستقرار هما رأس المال الحقيقي في أي اقتصاد."
الدمار لا يقتصر على الأرض
الحرب لم تضرب فقط المدن والبنية التحتية، بل عطلت شرايين الاقتصاد الإقليمي.
عبد الكريم يوضح أن تداعيات الحرب طالت حركة السياحة والنقل البحري والتجارة:
"هناك خوف من القدوم إلى المنطقة، وتضرر النقل بسبب ما يجري في البحر الأحمر، كما تأثرت الأسواق المالية. الخسائر توزعت على أكثر من بلد: فلسطين تحملت النصيب الأكبر بنحو 80% من إجمالي الأضرار، أما الباقي فامتد إلى إسرائيل ولبنان وإيران وبعض الدول العربية."
تقديرات الخسائر البالغة 200 مليار دولار توزعت كما يقول على شكل موجات ارتدادية أصابت المنطقة كلها: ضعف في ثقة المستثمرين، ارتفاع في كلفة التأمين والشحن، وتراجع في جذب رؤوس الأموال.
الاقتصاد الإسرائيلي... متضرر لكنه قابل للتعافي
رغم حجم الخسائر في إسرائيل، يرى عبد الكريم أن الاقتصاد هناك يظل قادراً على استعادة توازنه بسرعة نسبية:
"إسرائيل تمتلك قاعدة إنتاجية متطورة، ونظاماً مالياً مستقراً، وتستفيد من دعم دولي كبير. لكن الخطر الحقيقي هو استمرار الحرب وتراجع الثقة في الأسواق الإسرائيلية، ما قد يترك آثاراً بعيدة المدى على تدفقات الاستثمار الأجنبي."
المفارقة أن الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان يوصف بأنه "واحة التكنولوجيا في الشرق الأوسط"، وجد نفسه أمام اختبار صعب بين الأمن والنمو، في حين أن الفلسطينيين فقدوا القدرة حتى على قياس خسائرهم بدقة.
الاقتصاديات العربية... بين الضرر والفرصة
الحرب، كما يراها عبد الكريم، لم تكن شأناً محلياً. بل إن تأثيراتها امتدت إلى اقتصادات الدول العربية المجاورة، وخاصة مصر والأردن ولبنان، التي تواجه تراجعاً في السياحة والاستثمار بسبب مخاوف الأمن الإقليمي.
لكن في المقابل، يرى أن وقف العدوان يمكن أن يكون لحظة انعطاف إيجابية:
"بمجرد توقف الحرب، سيتغير المزاج العام نحو التفاؤل. سيزداد الاستهلاك، ويتدفق الاستثمار الأجنبي، خصوصاً في ظل الاتفاقات والشراكات التي وقعتها الدول العربية مع كبرى الاقتصاديات العالمية."
يضيف أن البيئة الاستثمارية العربية تتمتع بمركز تنافسي قوي، شريطة أن ترافقها سياسات تكامل اقتصادي عربي فعلي:
"نحتاج إلى تفعيل التجارة البينية، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وتسهيل حركة العمالة. هذه العناصر يمكن أن تحوّل المنطقة من ساحة صراع إلى منطقة تكامل اقتصادي حقيقي."
التكامل العربي... الحلم المؤجل
يؤكد عبد الكريم أن التكامل الاقتصادي العربي طالما كان هدفاً منشوداً لكنه لم يتحقق بالشكل الكافي.
"السلام ليس فقط فرصة لإنهاء الحرب، بل مدخل لتكامل عربي واسع. حين تتوفر بيئة آمنة ومناخ استثماري مستقر، تبدأ الاقتصادات العربية في ترميم علاقاتها وإعادة بناء شبكاتها التجارية."
ويرى أن ذلك لن يتحقق إلا ضمن رؤية شاملة تستند إلى المصالح المشتركة لا إلى التسويات المؤقتة، فالتكامل الاقتصادي لا يمكن فصله عن التكامل السياسي والأمني.
بين التفاؤل والواقعية
رغم الأرقام المذهلة التي تتحدث عنها الدراسات — 1.7 تريليون دولار مكاسب محتملة للسلام خلال عقد — فإن عبد الكريم يقرأها بواقعية حذرة:
"هذه التقديرات متفائلة جداً. الحديث عن 170 مليار دولار سنوياً يعني زيادة تفوق نقطتين مئويتين في معدل النمو الإقليمي، وهو رقم ضخم. أتمنى أن يتحقق، لكن أعتقد أن الرقم الواقعي ربما يكون نصف ذلك."
كلماته تعبّر عن وعي اقتصادي لا يغفل الأمل، لكنه لا يستسلم له. فالتنمية، في رأيه، لا تُقاس بالتمنيات بل بقدرة الدول على تحويل السلام إلى سياسة واقعية وإرادة تنفيذ.
الطريق إلى السلام... طريق إلى الانتعاش
من قراءة حديث عبد الكريم، يتضح أن المعادلة الأساسية في الشرق الأوسط باتت أوضح من أي وقت مضى:
كل حرب تفتح باباً للنزيف، وكل سلام يفتح نافذة للنمو.
السلام ليس شعاراً سياسياً بل مشروعاً اقتصادياً عميق الأثر — يمكن أن يحوّل الإنفاق العسكري إلى استثمار في التعليم والبنية التحتية، ويعيد رسم خريطة الفرص في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.
في ختام حديثه، يختصر عبد الكريم المشهد بجملة تلخص المعضلة والفرصة في آنٍ واحد:
"السلام هو مفتاح التنمية في المنطقة، لأنه يزيل المخاطر، ويفتح الأبواب أمام الاستثمار، ويعيد للمنطقة حيويتها الاقتصادية."
من غزة إلى تل أبيب، ومن القاهرة إلى بيروت، تدور دورة الاقتصاد على إيقاع الحرب والسلام. الأرقام الجافة تقول إن الشرق الأوسط خسر مئات المليارات، لكن الأفق يفتح على إمكانية استعادة جزء من ذلك إن وُجدت الإرادة السياسية. فحيث تسكت المدافع، تبدأ المصانع، وحيث يُرفع الحصار، تتحرك رؤوس الأموال.
السلام، في النهاية، ليس مكسباً أخلاقياً فقط بل استثمار طويل الأمد في مستقبلٍ لا يحترق مع كل حرب جديدة.
نرجو ان نكون قد وفقنا في نقل التفاصيل الكاملة الخاصة بخبر انكماش، تضخم، عجز.. معالم الانهيار الاقتصادي في حرب غزة .. في رعاية الله وحفظة