نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث تفاصيل خبر غادة عبد الباري لـ "دوت الخليج": استراتيجية جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي تعيد الثقة بين الأكاديميا والصناعة في المقال التالي
أحمد جودة - القاهرة - انطلقت فعاليات مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة، تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد سامي عبدالصادق، وبمشاركة رفيعة المستوى من الوزراء والخبراء المحليين والدوليين، وبالتعاون مع منظمة اليونسكو والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وعدد من المؤسسات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا العالمية.
شهد المؤتمر حضور الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتورة هالة السعيد مستشار رئيس الجمهورية للتنمية الاقتصادية والرئيس التنفيذي للمؤتمر، والدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمهندس محمد جبران وزير العمل، ومحافظي القاهرة والجيزة، إلى جانب نخبة من رؤساء الجامعات وأساتذة الجامعات المصرية وطلابها.

وعلى هامش الفعاليات، أجرت «دوت الخليج» حوارًا خاصًا مع الدكتورة غادة عبد الباري، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، التي فتحت قلبها لتكشف عن كواليس التحضير للمؤتمر، وأهم محاوره، وتحديات تطبيق استراتيجية جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي، وأثرها في تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية.
س: في البداية، نود أن نتعرف من حضرتك على كواليس التحضير للمؤتمر والصعوبات التي واجهتكم أثناء التنظيم؟
البداية الحقيقية كانت في إطلاق استراتيجية جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي في أكتوبر 2024، برعاية الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس الجامعة. هذه الاستراتيجية كانت نقطة الانطلاق الفعلية للمؤتمر، لأنها وضعت إطارًا شاملًا لكيفية دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم والبحث والإدارة الجامعية.
التحضير بدأ منذ أشهر طويلة، وكان تحديًا كبيرًا، لأننا كنا نسعى إلى تنظيم مؤتمر يليق بتاريخ جامعة القاهرة ومكانتها، ويجمع بين الجانب الأكاديمي والعملي والتطبيقي.
الصعوبات كانت متعددة، أولها أن نخلق فهمًا موحدًا داخل الجامعة لمفهوم الذكاء الاصطناعي الحديث، لأن هناك خلطًا بين المفهوم التقليدي الذي عرفناه منذ التسعينات، وبين الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وCopilot وغيرها من الأدوات التي غيرت شكل المعرفة والإنتاج.
لذلك بدأنا بتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية مكثفة لأعضاء هيئة التدريس والهيكل الإداري حتى يكون الجميع على وعي بطبيعة التحول الرقمي الذي نعيشه.
س: وما المحاور الأساسية التي قامت عليها استراتيجية جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي؟

الاستراتيجية تعتمد على أربعة محاور رئيسية:
الأول هو التعليم وتطوير المعرفة، أي كيف ننقل الطالب من مرحلة التلقي إلى مرحلة الإبداع والإنتاج المعرفي.
الثاني هو البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال، وده بيشمل إشراك الطلاب في الأبحاث التطبيقية وربطها بحاجات السوق.
الثالث هو الوعي المجتمعي، بهدف تعريف المجتمع بالاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
أما الرابع فهو رفع كفاءة الجهاز الإداري بالجامعة من خلال تطبيقات ذكية توفر الوقت والجهد وتضمن دقة البيانات واتخاذ القرار.
هذه المحاور الأربعة ليست شعارات، بل خطوات عملية نُفذت بالفعل من خلال مبادرات تدريبية ومشروعات بحثية واتفاقيات تعاون مع مؤسسات محلية ودولية.
س: ذكرتِ أن من أبرز التحديات إعادة الثقة بين الجامعة والصناعة، كيف تحقق ذلك؟
بالفعل، هذه كانت من أصعب المراحل. فلطالما كان الحديث عن ربط البحث العلمي بالصناعة شعارًا يتكرر منذ عقود، لكننا حرصنا أن نجعل منه واقعًا ملموسًا. بدأنا بالتواصل مع المصنعين ورواد الأعمال والمستثمرين، وقدمنا لهم مشروعات تخرج وأبحاثًا تطبيقية ذات مردود اقتصادي مباشر.
وخلال المؤتمر، لاحظ الجميع حجم المشاركة الواسعة من القطاع الصناعي، وهو ما يعكس أن الثقة عادت بين الأكاديميا والصناعة، لأن المستثمرين أصبحوا يرون أن الجامعة تقدم حلولًا قابلة للتطبيق وليست مجرد دراسات نظرية.
س: ما الهدف الرئيسي للمؤتمر على مستوى الدولة وليس فقط الجامعة؟
الهدف الأكبر هو دعم التنمية الاقتصادية الوطنية من خلال تسريع وتيرة تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، مثل الرعاية الصحية، والتكنولوجيا المالية، والتعليم، والصناعة.
الذكاء الاصطناعي اليوم ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية، لأنه يُخفض التكاليف، ويرفع كفاءة الإنتاج، ويجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. نحن نبحث عن أثر حقيقي ومستدام في الاقتصاد، وليس مجرد فعاليات نظرية.
س: كيف يمكن استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنمية الموارد البشرية؟
الذكاء الاصطناعي أداة قوية في بناء القدرات البشرية. بدأنا بالفعل في تقديم دورات تدريبية قائمة على أدوات AI تساعد الأفراد على تطوير مهاراتهم بشكل مخصص.
كما استخدمنا تطبيقات مثل التحليل السيكومتري (Psychometric Analysis) لتحديد السمات الشخصية ونقاط القوة والضعف لدى المتدربين، حتى يتمكن كل فرد من تحسين أدائه وفق خطة علمية.
اليوم، نحن أمام ثورة حقيقية، فكل ساعة يظهر تطبيق جديد يمكنه إحداث فارق في التعليم أو التدريب أو الإدارة، لذلك من الضروري أن نكون مستعدين لتبني هذه الأدوات بسرعة وذكاء.
س: حدثينا عن أبرز فعاليات اليوم الأول من المؤتمر؟
المؤتمر يقام على مدار يومين، ويضم 69 جلسة علمية تُعقد في قبة الجامعة، وكليتي الحقوق والآداب، إضافة إلى 22 جلسة خارجية في ساحة الابتكار.
اليوم الأول بدأ بـ الجلسة الوزارية الافتتاحية التي أدارها عدد من الوزراء، منهم د. خالد عبدالغفار، ود. هالة السعيد، ود. أيمن عاشور، ود. عمرو طلعت، ووزير العمل المهندس محمد جبران، حيث ناقشوا مستقبل الذكاء الاصطناعي في مصر من منظور حكومي وتنفيذي.
ثم تلتها جلسات لرواد الأعمال مثل محمد أبو النجا، رانيا أيمن، وأمير الشريف، تحدثوا فيها عن تجاربهم في دمج الذكاء الاصطناعي في مشاريعهم الناشئة.
كما عُقدت جلسة مميزة أدارها الدكتور هبة نصار، وشارك فيها عبر الإنترنت كل من الدكتور محمود محيي الدين، والدكتور محمد زهران، والدكتورة ماريا أليخاندرو حول كتابهم AI for Sustainable Business.
أيضًا، تم تخصيص عدد من الجلسات داخل كلية الآداب للقطاع الصحي، تناولت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والتحليل عن بُعد وتسهيل الوصول إلى المرضى في المناطق النائية.
وفي كلية الحقوق، أقيمت جلسة محورية حول التطبيقات القضائية للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع الهيئات القضائية، لعرض التجارب المصرية في التحول الرقمي بالمجال القانوني.
س: وماذا عن التوصيات النهائية للمؤتمر؟
التوصيات يتم جمعها من مختلف الجلسات والفعاليات، وسيتم الإعلان عنها في اليوم الختامي في بيان رسمي لجامعة القاهرة.
لكن أستطيع القول إن أغلب التوصيات تدور حول ضرورة دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي والبحث العلمي والإدارة الحكومية، مع التأكيد على الجانب الأخلاقي والاستخدام الآمن للتكنولوجيا.
كما سيتم اقتراح إنشاء مرصد وطني للذكاء الاصطناعي لمتابعة التطورات العالمية وتقييم جاهزية المؤسسات المصرية لهذا التحول.
في ختام حديثها لـ«دوت الخليج»، أكدت الدكتورة غادة عبد الباري أن مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي لم يكن مجرد فعالية علمية، بل حدث وطني يعكس وعي الدولة المصرية بضرورة الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة.
وأضافت أن الجامعة تعمل وفق رؤية متكاملة تستند إلى الابتكار والمسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أن ما تحقق اليوم هو «ثمرة جهد جماعي بين الأكاديميا والصناعة والحكومة».
وشددت عبد الباري على أن جامعة القاهرة تسعى لأن تكون بيت الخبرة الأول في مصر والشرق الأوسط في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال بناء القدرات، وتطوير البحث العلمي، وتحويل الأفكار إلى تطبيقات تخدم المجتمع والاقتصاد.
واختتمت حديثها قائلة: ما رأيناه اليوم هو بداية عهد جديد في جامعة القاهرة، عهد يضع الإنسان في قلب التكنولوجيا، ويجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة لخدمة التنمية وليس غاية في حد ذاته».